ابتداع عثمان النداء الثالث يوم الجمعة .
قال الشيعة إن عثمان قد ابتدع الأذان الثالث للجمعة ولم يكتف بما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اذانين للجمعة، فاخترع أذانا على بيته المسمى بالزوراء ليسمع أهل السوق يقول الأميني: “فالنداء في الزوراء على كل حال كالنداء في باب المسجد في مدى الصوت ومبلغ الخبر، فأي جدوى في هذه الزيادة المخالفة للسنة ؟ ثم إن كثرة الناس على فرضها في المدينة هل حصلت فجائية في السابعة من خلافة عثمان ؟ أو أن الجمعية كانت إلى التكثر منذ عادت عاصمة الخلافة الإسلامية ؟ فما ذلك الحد الذي أوجب مخالفة السنة ؟ أو ابتداع نداء ثالث ؟ وهل هذه السنة المبتدعة يجري ملاكها في العواصم والأوساط الكبيرة التي تحتوي أضعاف ما كان بالمدينة من الناس فيكرر فيها الأذان عشرات أو مئات ؟
[الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 128].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: روى البخاري في صحيحه قال 912 – حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ.»قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ” الزَّوْرَاءُ: مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ ”
[البخاري، صحيح البخاري، ٨/٢].
وفي رواية أخرى عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ أَذَانَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، حَتَّى كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ ، فَكَثُرَ النَّاسُ ، فَأَمَرَ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ بِالزَّوْرَاءِ»
[التعليق]1774 – قال الألباني: إسناده صحيح
[«صحيح ابن خزيمة» (3/ 137)].
«وَالْمَعْنَى كَانَ الْأَذَانُ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَذَانَيْنِ أَحَدُهُمَا حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالثَّانِي حِينَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِي عَهْدِهِمُ الْأَذَانَانِ فَقَطْ وَلَمْ يَكُنِ الْأَذَانُ الثَّالِثُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَانَيْنِ الْأَذَانُ الْحَقِيقِيُّ وَالْإِقَامَةُ»
[«تحفة الأحوذي» (3/ 39)].
«قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: “وَسَمَّاهُ فِي الْحَدِيثِ ثَالِثًا لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى الْإِقَامَةِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ) يَعْنِي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ. وَيَتَوَهَّمُ النَّاسُ أَنَّهُ أَذَانٌ أَصْلِيٌّ فَجَعَلُوا الْمُؤَذِّنَيْنِ ثَلَاثَةً فَكَانَ وَهْمًا، ثُمَّ جَمَعُوهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ وَهْمًا عَلَى وَهْمٍ»
[«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (18/ 101)].
وقد يسمى بالأذان الأول وقد يسمى بالثاني، قال الحافظ: «وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَزِيدًا يُسَمَّى ثَالِثًا وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جُعِلَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ يُسَمَّى أَوَّلًا.. وَتَسْمِيَتُهُ ثَانِيًا أَيْضًا مُتَوَجِّهٌ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَذَانِ الْحَقِيقِيِّ لَا الْإِقَامَةِ»
[«فتح الباري لابن حجر» (2/ 394)].
وهذا أوردناه لتصور ما صنعه عثمان في الأذان على وجه التفصيل
ثانيا: لم يكن ما فعله عثمان من البدعة في شيء وقد فصل القول في ذلك أهل العلم ومنهم الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام فقد قرر أن أذان عثمان الذي بالزوراء لم يكن من البدعة في شيء لكن هشام بن عبد الملك لما نقله إلى المسجد صار ذلك من البدع، وذلك أن أذان عثمان كان كان لضرورة لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخليفتين من بعده، وبما أن عبادة الأذان معقولة المعنى فيمكن الاجتهاد بناء عليها.
يقول الشاطبي: “وَأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ إِلَّا الْأَذَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَصَارَ إِذًا نَقْلُ هِشَامٍ الْأَذَانَ الْمَشْرُوعَ فِي الْمَنَارِ إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ بِدْعَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَشْرُوعِ.فَإِنْ قِيلَ: فَكَذَلِكَ أَذَانُ الزَّوْرَاءِ مُحْدَثٌ أَيْضًا، بَلْ هُوَ مُحْدَثٌ مِنْ أَصْلِهِ، غَيْرُ مَنْقُولٍ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَالَّذِي يُقَالُ هُنَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَذَانِ هِشَامٍ، بَلْ هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ.فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَذَانَ الزَّوْرَاءِ وُضِعَ هُنَالِكَ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الْإِعْلَامِ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، وَجَعَلَهُ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُسْمَعَ إِذَا وُضِعَ بِالْمَسْجِدِ كَمَا كَانَ فِي زَمَانِ مَنْ قَبْلَهُ، فَصَارَتْ كَائِنَةً أُخْرَى لَمْ تَكُنْ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَاجْتَهَدَ لَهَا كَسَائِرِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَحِينَ كَانَ مَقْصُودَ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ؛ فَهُوَ بَاقٍ كَمَا كَانَ، فَلَيْسَ وَضْعُهُ هُنَالِكَ بِمُنَافٍ، إِذْ لَمْ تُخْتَرَعْ فِيهِ أَقَاوِيلُ مُحْدَثَةٌ، وَلَا ثَبْتَ أَنَّ الْأَذَانَ بِالْمَنَارِ أَوْ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ تَعَبُّدٌ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَهُوَ الْمُلَائِمُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ؛ بِخِلَافِ نَقْلِهِ مِنَ الْمَنَارِ إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ بِذَلِكَ أَوَّلًا عَنْ أَصْلِهِ مِنَ الْإِعْلَامِ، إِذْ لَمْ يُشْرَعْ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ إِعْلَامٌ بِالصَّلَاةِ إِلَّا بِالْإِقَامَةِ، وَأَذَانُ جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَحَلِّهِ، ثُمَّ أَذَانُهُمْ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ زِيَادَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَاضِحٌ، وَلَا اعْتِرَاضَ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
[الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الاعتصام للشاطبي ت الهلالي، ٤٩٣:٤٩٢/١].
وعليه فالمحدث بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم إما أن يقصد به العبادة المحضة أو يقصد به مصلحة الناس وطلب معاشهم وسبل تنظيم حياتهم فإن كان الأول فهو بدعة لأنه لا يتقرب إلى الله إلا بما شرع، وأما مصالح الناس فقد حث عليها الشارع، إذا لم تكن فعلا محرما، وليس المقصود من إحداث الأذان محض التعبد ، وإنما مصلحة الناس من تنبيه غافل، وتذكير ساه عن الحضور المبكر بشغل الناس بالأسواق وبتنبيههم بالأذان يغتنمون الأجر الكثير ، فيقربون البدن ولا يتأخرون حتى يحصلوا على الدجاج والبيض، فهذا شفقة علي حالهم بعد ما كثر الناس وتناسوا شأن الجمعة ، وربما ما اغتسل أحدهم ولا تطيب فكانت المصلحة فيه ظاهرة خاصة أن زمان عثمان كثر فيه الناس واتسعت المدينة ودخل في دين الله من كل حدب وصوب فكان من المصلحة فعل ذلك.
[بتصرف يسير من كتاب فقه الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه في العبادات مقترنا بفقه الأئمة الأربعة رحمهم الله، عبد الوالي مشعان ص٣٥٤:٣٥٥].
ثانيا: هذا الذي فعله عثمان رضي الله عنه يعد من مناقبه وفقهه في دين الله تعالى إذ إنه يدل على أنه رضي الله عنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر محافظا على السنة وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتبكير إلى الجمعة ونهى عن التهاون فيها والانشغال عن حضورها وقد قال تعالى { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ }
[سُورَةُ الجُمُعَةِ: ٩].
فلما رأى عثمان تباعد البيوت وانشغال الناس لم يسكت ويقول اكتفي بالاذان الذي في المسجد بل هو يعلم أن مناط تشريع الأذان هو إعلام الناس بدخول وقت الصلاة أو تنبيههم باقتراب وقتها والأول معلوم واما الثاني فمنه حديث الإمام أحمد عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ «قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَيُّ سَاعَةٍ تُوتِرِينَ؟ قَالَتْ (2) : مَا أُوتِرُ حَتَّى يُؤَذِّنُوا (3) ، وَمَا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، قَالَتْ: وَكَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ: بِلَالٌ، وَعَمْرُو ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا أَذَّنَ عَمْرٌو، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا، فَإِنَّهُ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ، فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّ بِلَالًا لَا يُؤَذِّنُ – كَذَا قَالَ – حَتَّى يُصْبِحَ “»
[«مسند أحمد» (42/ 338 ط الرسالة)].
فلم يكن هذا الأذان إلى لتنبيه الناس إلى اقتراب وقت الصلاة ولإيقاظهم من النوم وتلك العلة موجودة في فعل عثمان ولم تكن موجودة على عهده صلى الله عليه وسلم، لكنه من حسن فقهه رضي الله عنه أنه ما جعلها في المسجد حتى يزيل عن الأذهان أن يشرع لعبادة جديدة أو أن هذا الأذان نداء أصلي في الجمعة، فيكون تشريعا فإنه رضي الله عنه لم يكن مشرعا، فالتشريع موقوف على الله ورسوله وإنما مثله كمثل صاحب الصرة التي قدمها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فجاءت الناس بعده أفواجاً . فمن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ففعل عثمان – رضي الله عنه – من باب السنة الحسنة، وما هو إلا كجمع القرآن للأمة ، وكإتخاذ الدواوين في عهد عمر – رضي الله عنه(((هامش: جاءت رواية في مصنف ابن أبي شيبة فيها يقول عن ابن عمر، قال: «الأذان الأول يوم الجمعة بدعة»
[«مصنف ابن أبي شيبة» (1/ 470 ت الحوت) ].
وعلق عليها الحافظ ابن حجر فقال: «فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ يُسَمَّى بِدْعَةً لَكِنَّ مِنْهَا مَا يَكُونُ حَسَنًا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ بِمَا مَضَى أَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ فَأَلْحَقَ الْجُمُعَةَ بِهَا وَأَبْقَى خُصُوصِيَّتَهَا بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ»
[«فتح الباري لابن حجر» (2/ 394)]،
فلم يكن كلام ابن عمر الا إنكار لا تبديع والمسألة اجتهادية محضة يسوغ فيها الخلاف، وليس قول ابن عمر بأولى من قول عثمان، بل الذي أيده الدليل وتلقته الأمة بالقبول هو فعل عثمان واجتهاده رضي الله عنه، ولذلك فقد قال المباركفوري: “«وقد ذكر الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج2 ص393) هنا كلاماً حسناً أحببنا إيراده لعل الله ينفع بها الطالبين، قال: “فائدة” في رواية عند أبي داود في هذا الحديث: كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد، فظن العوام بل كثير من أهل العلم أن هذا الأذان يكون أمام الخطيب مواجهة، فجعلوا مقام المؤذن في مواجهة الخطيب. (قريباً من المنبر) على كرسي أو غيره، وصار هذا الأذان تقليداً صرفاً لا فائدة له في دعوة الناس إلى الصلاة وإعلامهم حضورها، كما هو الأصل في الأذان والشأن فيه، وحرصوا على ذلك، حتى لينكرون على من يفعل غيره، وإتباع السنة أن يكون على المنارة عند باب المسجد ليكون إعلاماً لمن لم يحضر، وحرصوا على إبقاء الأذان قبل خروج الإمام، وقد زالت الحاجة إليه؛ لأن المدينة لم يكن بها (مسجد جامع) إلا المسجد النبوي وكان الناس كلهم يجمعون فيه، وكثروا عن أن يسمعوا الأذان عند باب المسجد، فزاد عثمان الأذان الأول ليعلم من بالسوق ومن حوله حضور الصلاة، أما الآن وقد كثرت المساجد، وبنيت فيها المنارات، وصار الناس يعرفون وقت الصلاة بأذان المؤذن على المنارة فإنا نرى أن يكتفي بهذا الأذان، وأن يكون عند خروج الإمام إتباعاً للسنة أو يؤمر المؤذنون عند خروج الإمام أن يؤذنوا على أبواب المساجد- انتهى. قلت: إذا وقعت اليوم الحاجة إلى النداء العثماني في بلد كما وقعت بالمدينة في عهد عثمان رضي الله عنه فلا بأس بأن يؤذن على موضع مرتفع كالمنار أو سطح البيت خارج المسجد قبل خروج الإمام كما كان في زمن عثمان رضي الله عنه. وأما بغير الحاجة وعند عدم الضرورة فالاكتفاء بالأذان عند خروج الإمام هو المتعين عندي»
[«مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (4/ 492)].
رابعا: من العجب العجاب أن ينكر الشيعة على عثمان تذكير الناس بصلاة الجمعة بذلك الأذان بزعم الحرص على السنة في الوقت الذي عطلوا هم الجمعة برمتها وقالوا ببطلان صلاة الجمعة دون حضور إمامهم الغائب منذ قرابة ١٢٠٠ عام أو من ينصبه ذلك الغائب يقول ابن إدريس الحلي: “صلاة الجمعة فريضة على من لم يكن معذوراً بما سنذكره من الأعذار بشروط : أحدها حضور الإمام العادل أو من نصبه الإمام للصلاة… بشرط أن يكون فيهم الإمام أو من نصّبه الإمام للصلاة – وإن لم يكونوا لم تجب عليهم غير الظهر أربع ركعات”.
[السرائر ( موسوعة إبن إدريس الحلي )، ج ١، ابن إدريس الحلي، ص٤٢٣:٤٢٧]
وقد نقل الآجماع على ذلك غير واحد منهم
[كنز العرفان في فقه القرآن المؤلف : السيوري، جمال الدين المقداد بن عبد الله الجزء : 1 صفحة : 168]
بل وألفوا كتبا كثيرة في تعطيل الجمعة في زمان الغيبة،
[(راجع: الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة ط دار الأضواء المؤلف : الطهراني، آقا بزرك الجزء : 15 صفحة : 63)].
بل وبعضهم قال بتحريمها
[(الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة ط دار الأضواء المؤلف : الطهراني، آقا بزرك الجزء : 18 صفحة : 35)].
واضطربت أقوالهم فيها كثيرا.ثم كيف يعاب مثل هذا على عثمان رضي الله عنه وهم الذين يقولون بكراهة أذان العصر يوم الجمعة ؟!يقول الحلي: “والاذان المكروه كأذان العصر يوم الجمعة”.
[ تذكرة الفقهاء – ط القديمة المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 1 صفحة : 156].
بل واخترعوا ما يسمى بالشهادة الثالثة في الأذان وهي قولهم (اشهد ان عليا ولي الله) وقالوا بأنها جزء من الاذان!!يقول الريشهري: “غير أنّ ولده المولى محمّد باقر المجلسي لا يستبعد جزئيّتها واستحبابها ، حيث يقول : «لا يبعد كون الشهادة الثالثة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها» . وأيّد العلاّمة المجلسي بعضُ الفقهاء من ذوي المسلك الأخباري ، كالسيّد نعمة اللّه الجزائري في الأنوار النعمانيّة، والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة”.
[اسم الکتاب : موسوعة ميزان الحکمة المؤلف : المحمدي الري شهري، الشيخ محمد الجزء : 2 صفحة : 128]
فهؤلاء جميعًا ذهبوا إلى مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان بعنوان الجزئية، أي: أنها من ألفاظ الأذان.مع أن صدوقهم قال إن تلك الزيادة من فعل الغلاة، ومع ذلك لم يطعنوا في علمائهم هؤلاء كما طعنوا في عثمان رضي الله عنه، يقول شيخهم الصدوق: “هذا هو الاذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الاذان ” محمد وآل محمد خير البرية ” مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله ” أشهد أن عليا ولي الله ” مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك ” أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا ” مرتين ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقا وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الاذان ، وإنما ذكرت ذلك ليعرف”.
[من لا يحضره الفقيه، ج ١، الشيخ الصدوق، ص ٣٢٢].
وكل ما فعلوه أنهم قالوا من فعل ذلك فهو مخطئ ولن يقولوا أنه ضال مضل مبتدع حلال الدم والمال والعرض كما فعلوا مع عثمان رضي الله عنه، يقول الطوسي: “وأما ما روي في شواذ الأخبار من قول : ” أشهد أن عليا ولي الله وآل محمد خير البرية ” فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة . فمن عمل بها كان مخطئا”.
[النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، الشيخ الطوسي، ص ١١٧].
ومع ذلك لا سواء فإن فعل ذلك رضي الله عنه كان اجتهادا صائبا أجمع عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف ما ابتدعه الرافضة وما أكثر بدعهم.
مواضيع شبيهة