إنكار الشيعة إنفاق الصديق بدعوى أنه كان فقيرا.
يقول علي بن يونس العاملي: وما يدعونه من إنفاق أبي بكر فدعوى قام الدليل على خلافها بما ذكره البخاري وغيره أنه كان خياطا وأن بنته أسماء كانت تنقل النوى على رأسها من أرض الزبير وهي عنها ثلاث فراسخ وكان أبوه عضروطا لابن جذعان ينادي على مائدته كل يوم بمد، لو كان ذا مال لصان أباه عن أجرة النداء إلى طعام غيره. إن قلت: فأيسر بعد ذلك، قلت: الأصل عدمه ولا دليل عليه”.
[الصراط المستقيم المؤلف : العاملي، علي بن يونس الجزء : 1 صفحة : 182].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: قد تواترت الأخبار واشتهرت بإنفاق الصديق على دين الله وإعتاقه المعذبين في الله، وليس إنكار الشيعة لذلك الا حماقة لا دليل عليها ، وإليك بعض ما ذكر عن إنفاق الصديق من كتب أهل السنة.عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَحَدٌ عِنْدِي أَعْظَمُ يَدًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ – رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ – وَاسَانِي بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ، وَأَنْكَحَنِي ابْنَتَهُ»
[«الأحاديث المختارة» (11/ 242)].
فهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول بأن أبا بكر قد واساه بماله.و«عنْ زيد بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ، إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ “ قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: “يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟! “ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إلى شيء أبدا»
[«المنتخب من مسند عبد بن حميد ت مصطفى العدوي» (1/ 64)].
[«مسند الدارمي – ت حسين أسد» (2/ 1033)].
[«السنة لابن أبي عاصم» (2/ 579)].
[«سنن الترمذي» (5/ 615 ت شاكر)].
[«سنن أبي داود» (2/ 54 ط مع عون المعبود)].
فمن مثل الصديق يخرج ماله كله دفعة واحدة ؟!قال ابن حزم رحمه الله: “«وحمل أبو بكر مع نفسه جميع ماله وهو نحو ستة آلاف درهم»
[«جوامع السيرة ط المعارف» (ص92)].
هذا وهو مهاجر اما ما قبل الهجرة فقد اسلم وله أربعون ألفا.رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا أَنْفَقَهَا كُلَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نفعني مال مَا نفعني مال أَبِي بكرٍ» . وأعتق أَبُو بَكْر سبعة كانوا يعذبون فِي الله، منهم: بلال، وعامر بْن فهيرة
[«الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (3/ 966)].
وقد انفق كل ذلك في سبيل الله.بل إن شهرة إنفاقه كانت حتى قبل الإسلام ولذلك قال له ابْنُ الدَّغِنَةِ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: مِثْلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ»
[«مصنف عبد الرزاق» (6/ 55 ط التأصيل الثانية)].
[«صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع» (4/ 148)].
وهي نفس صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- التي وصفته بها خديجة رضي الله عنها في حادثة نزول الوحي.
[«صحيح البخاري» (1/ 5 ت البغا)].
[«صحيح مسلم» (1/ 97 ط التركية)].
فلو صح إنكار إنفاق الصديق صح إنكار مسلمات التاريخ ومنها كون النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف بالصادق الأمين في مكة!.
وأما عتقه للعبيد ومشاركته بماله لتحرير المسلمين من ذل العذاب والعبودية فأشهر وأشهر، قال ابن حزم: “«وأعتق أبو بكر بلال بن رباح، وأمه حمامة، مولدة، وأعتق عامر بن فهيرة، وأعتق أم عبيس (1) ، وزنيرة، والنهدية وابنتها. وجارية لبني عدي بن كعب، كان عمر بن الخطاب يعذبها على الإسلام، وذلك قبل أن يسلم. وقيل إن أبا قحافة قال: يا بني أراك تعتق رقاباً ضعافاً فلو أعتقت قوماً جلداً يمنعونك؛ فقال أبو بكر: يا أبة إني أريد ما أريد. قيل: ففيه أنزل الله تعالى: {وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتى ماله يتزكى} إلى آخر السورة. رضوان الله ورحمته وبركاته على الصديق»
[«جوامع السيرة ط المعارف» (ص55)].
وقال النووي: “وأسلم على يده خلائق من الصحابة، منهم خمسة من العشرة سبق بيانهم فى ترجمتهم، وهم عثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد بن أبى وقاص. وأعتق «سبعة كانوا يعذبون فى الله تعالى، منهم بلال، وعمار. وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببًا فيهم، ومألفاهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول، ولم يزل مترقيًا فى معارفه متزايدًا فى محاسنه حتى توفى. وصحب النبى – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من حين أسلم إلى أن توفى رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يفارقه فى حضر ولا سفر»
[«تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 183)].
قال الحضرمي الشافعي: “وأمّا بلال فكان أميّة بن خلف يخرج به فيضع الصّخور على صدره، ويتركها كذلك حتّى يكاد يموت، فيرفعها، وبلال يقول:أحد، أحد. فمّر به أبو بكر رضي الله عنه، فقال لأميّة: ألا تتّقي الله في هذا العبد؟ فقال: أنت الّذي أفسدته عليّ، فقال: بعنيه، فباعه منه، فأعتقه» .
[«حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار» (ص183)].
وقال ابن هشام: “«عَامِرُ بْنُ فُهَيْرة مُوَلَّد من مُوَلِّدي الأسَيْد، أسْوَد اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ منهم»
[«سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد» (1/ 236)].
والنقول في ذلك كثيرة .
ثانيا: قد جاء في كتب الشيعة إن الصديق كان له مال ويواسي به المسلمين، حتى أنه كان سببا في تزويج علي من فاطمة.
[العوالم ، السيدة الزهراء ( س )، ج ١، الشيخ عبد الله البحراني، ص ٤١٤].
جاء في كشف الغمّة: “عن أمّ سلمة ؛ وسلمان الفارسي ؛ وعليّ بن أبي طالب عليه السّلام وكلّ قالوا :إنّه لمّا أدركت فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مدرك النساء خطبها أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام ، والشرف والمال ، وكان كلّما ذكرها رجل من قريش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بوجهه حتّى كان الرجل منهم يظنّ في نفسه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ساخط عليه ، أو قد نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيه وحي من السماء ؛ولقد خطبها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أبو بكر فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : أمرها إلى ربّها ؛وخطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطّاب ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كمقالته لأبي بكر .قال : وإنّ أبا بكر وعمر كانا ذات يوم جالسين في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومعهما سعد بن معاذ الأنصاري ثمّ الأوسي ، فتذاكروا أمر فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ؛
فقال أبو بكر : قد خطبها الأشراف من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فقال :إنّ أمرها إلى ربّها إن شاء أن يزوّجها زوّجها .وإنّ عليّ بن أبي طالب لم يخطبها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يذكرها له ، ولا أراه يمنعه من ذلك إلّا قلّة ذات اليد ، وإنّه ليقع في نفسي أنّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم إنّما يحبسانها عليه ؛
قال : ثمّ أقبل أبو بكر على عمر بن الخطّاب وعلى سعد بن معاذ فقال : هل لكما في القيام إلى عليّ بن أبي طالب حتّى نذكر له هذا ، فإن منعه قلّة ذات اليد واسيناه وأسعفناه ؟ فقال له سعد بن معاذ : قوموا بنا على بركة اللّه ويمنه .قال سلمان الفارسي : فخرجوا من المسجد والتمسوا عليّا عليه السّلام في منزله فلم يجدوه ، وكان ينضح « 1 » ببعير – كان له – الماء على نخل رجل من الأنصار بأجرة ، فانطلقوا نحوه ؛فلمّا نظر إليهم عليّ عليه السّلام قال : ما وراءكم ؟ وما الّذي جئتم له ؟فقال أبو بكر : يا أبا الحسن ، إنّه لم يبق خصلة من خصال الخير إلّا ولك فيها سابقة وفضل ، وأنت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالمكان الّذي قد عرفت من القرابة والصحبة والسابقة ، وقد خطب الأشراف من قريش إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ابنته فاطمة فردّهم ، وقال : إنّ أمرها إلى ربّها إن شاء أن يزوّجها زوّجها ، فما يمنعك أن تذكرها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وتخطبها منه ؛فإنّي أرجو أن يكون اللّه عزّ وجلّ ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم إنّما يحبسانها عليك .
قال : فتغرغرت عينا عليّ بالدموع ، وقال : يا أبا بكر ! لقد هيّجت منّي ساكنا ، وأيقظتني لأمر كنت عنه غافلا ، – واللّه – إنّ فاطمة لموضع رغبة ، وما مثلي قعد عن مثلها ، غير أنّه يمنعني من ذلك قلّة ذات اليد ، فقال أبو بكر :لا تقل هذا يا أبا الحسن ! فإنّ الدنيا وما فيها عند اللّه تعالى ورسوله كهباء منثور .قال : ثمّ إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام حلّ عن ناضحه « 2 » وأقبل يقوده إلى منزله ، فشدّه فيه ، ولبس نعله ، وأقبل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في منزل زوجته أمّ سلمة ابنة أبي اميّة بن المغيرة المخزومي ، فدقّ عليّ عليه السّلام الباب ، فقالت أمّ سلمة : من بالباب ؟
[ فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من قبل أن يقول عليّ : أنا عليّ : قومي يا أمّ سلمة ، فافتحي له الباب ومريه بالدخول ، فهذا رجل يحبّه اللّه ورسوله ويحبّهما .فقالت أمّ سلمة : فداك أبي وامّي ومن هذا الّذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره ؟ !
[العوالم ، السيدة الزهراء ( س )، ج ١، الشيخ عبد الله البحراني، ص ٤١٥].
[المناقب، الموفق الخوارزمي، ص ٣٤٤].
[كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج ١، علي بن أبي الفتح الإربلي، ص ٣٧٤].
[رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار ( ع )، ج ١، السيد نعمة الله الجزائري، ص ٥٣].
فانظر إلى قول أبي بكر “فإن منعه قلّة ذات اليد واسيناه وأسعفناه؟”، فهذا دليل صارخ أن على الصديق كان يواسي المسلمين بماله، ومنهن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ثالثا: القول بأن أبا قحافة كان يعمل عضروطا -يخدم الناس بطعام بطنه- عند ابن جدعان إنما هو مأخوذ من كتب الرافضة، ((شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣/٢٧٥، الشافي في الإمامة للمرتضى ٤/٢٥، الإفصاح للمفيد ص٢١٣))).وهم أكذب خلق الله على الإطلاق، ولا يوثق بنقلهم، ومع ذلك فلو ثبت فلا عيب فيه، إذ أنهم اقروا أن عليا كان يؤاجر نفسه على طعامه، وهو كذلك عندنا، فقد أخرج ابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس: أن عليًا أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرةابن ماجه 2 / 818 برقم (2446) ، والبيهقي 6 / 119، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه بمعناه عن علي رضي الله عنه: أحمد 1 / 90 والترمذي 645 – 646 برقم (2473) ، وأبو يعلى 1 / 387 برقم (502).يقول المرعشي الشيعي: “عن علي رضي الله عنه قال : جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة ، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا تريد بله فقاطعتها كل ذنوب
على تمرة . فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها . رواه أحمد وابن ماجة بسند صححه ابن السكن . وجود الحافظ ابن حجر إسناد أحمد ، قال في ” نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ” وأخرج البيهقي وابن ماجة من حديث ابن عباس بلفظ : إن عليا آجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة . وقال فيه – أي الحديث- : بيان ما كانت عليه الصحابة من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس واتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المنن وأن تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا ، والأجير من أشراف الناس وعظمائهم”.
[شرح إحقاق الحق، ج ٣٢، السيد المرعشي، ص ٢٩٤:٢٩٣].
فإذا كانت مؤاجرة الناس على طعام البطن طعنا فقد رجع الطعن الي الشيعة في علي رضي الله عنه، وحاشاه.
رابعا: قوله بأن صحيح البخاري فيه أن الصديق كان خياطا كذب على البخاري وكذب على الصديق رضي الله عنه، وإنما أخذها من قال لها من كتب الشيعة لا غير ذلك
[(( الصراط المستقيم للبياضي ج۳ ص۱۰، تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي ص۳۸۰، التعجب للكراجکي ص۱۲۹))].
ولعلهم لشدة عجمتهم فهموا أن البزاز -مهنة الصديق- تعني الخياط، وقد ذكر الشيعة أن الصديق كان بزازا، يقول نجاح الطائي: “مهنة الخلفاء وبعض الصحابة ذكر التوحيدي في كتاب بصائر القدماء وسرائر الحكماء صناعة كل من علمت صناعته من قريش.
فقال: كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بزازا”.
[نظريات الخليفتين – الشيخ نجاح الطائي – ج ٢ – الصفحة ٦٣].
و«البَزَّ: بفتح الباء: الثياب، وقيل: ضرب من الثياب، وقيل: البز من الثياب أمتعة البزاز، أو متاع البيت من الثياب خاصة ونحوها؛ قال الشاعر:أحسن بيت أهرًا وبزّا … كأنما لزّ بصخر لزَّا
والبَزّ: السلاح يدخل فيه الدرع والمغفر والسيف. والبِزَّة بالكسر: الهيئة والشارة واللبسة، يقال: إنه لذو بزة حسنة؛ أى هيئة ولباس جيد»
[«المعجم العربي لأسماء الملابس» (ص64)].
وقال المُطَرِّزِىّ: “«(الْبَزُّ) عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنْ الثِّيَابِ خَاصَّةً وَعَنْ اللَّيْثِ ضَرْبٌ مِنْ الثِّيَابِ (وَمِنْهُ) ابْتَزَّ جَارِيَتَهُ إذَا جَرَّدَهَا مِنْ ثِيَابِهَا وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ رَجُلٌ (حَسَنُ الْبَزِّ) أَيْ الثِّيَابِ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ هُوَ مِنْ الثِّيَابِ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِ وَالْبِزَازَةُ حِرْفَتُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ – رَحِمَهُ اللَّهُ – فِي السِّيَرِ الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ وَالْخَزِّ وَالْبِزَّةُ بِالْهَاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْهَيْئَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ حَسَنُ (الْبِزَّةِ) وَقِيلَ هِيَ الثِّيَابُ وَالسِّلَاحُ»
[«المغرب في ترتيب المعرب» (ص42)].
والذي يتاجر في الثياب والسلاح يقال له بزاز، قال الصاحب بن عباد: «البَز: ضرْب من الثيَابِ. والبِزَازَةُ: حِرْفَةُ البَزّازِ. والسَّيْفُ. والسلَاحُ»
[«المحيط في اللغة» (2/ 291 بترقيم الشاملة آليا)].
و «(الْبَزَّاز) هو: بَائِع الْبَز»
[«المعجم الوسيط» (1/ 54)].
[«المطلع على ألفاظ المقنع» (ص390)].
فهذا قول أهل اللغة في مهنة الصديق رضي الله عنه.والتجارة كانت أشرف مكاسب العرب د، وكان خيار أهل الأموال منهم أهل التجارة، وقد عمل بها النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة كما هو معلوم. وقد ظل الصديق رضي الله عنه تاجرا حتى تولى الخلافة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وَقَوْلُهُ: ” إِنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ خَيَّاطًا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ “.كَذِبٌ ظَاهِرٌ، يَعْرِفُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ لَوْ كَانَ حَقًّا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ خَيَّاطًا، وَإِنَّمَا كَانَ تَاجِرًا تَارَةً يُسَافِرُ فِي تِجَارَتِهِ وَتَارَةً لَا يُسَافِرُ، وَقَدْ سَافَرَ إِلَى الشَّامِ فِي تِجَارَتِهِ (1) فِي الْإِسْلَامِ، وَالتِّجَارَةُ كَانَتْ أَفْضَلُ مَكَاسِبِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ خِيَارُ أَهْلِ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ أَهْلَ التِّجَارَةِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُمْ بِالتِّجَارَةِ، وَلَمَّا وُلِّيَ أَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ لِعِيَالِهِ فَمَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: هَذَا يَشْغَلُكَ عَنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.وَكَانَ عَامَّةُ مَلَابِسِهِمُ الْأَرْدِيَةَ وَالْأُرُزَ، فَكَانَتِ الْخِيَاطَةُ فِيهِمْ قَلِيلَةً جِدًّا، وَقَدْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ خَيَّاطٌ دَعَا (2) النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ (3) .وَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ الْمَشْهُورُونَ فَمَا أَعْلَمُ فِيهِمْ خَيَّاطًا مَعَ أَنَّ الْخِيَاطَةَ مِنْ أَحْسَنِ الصِّنَاعَاتِ وَأَجَلِّهَا.وَإِنْفَاقُ أَبِي بَكْرٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ مِنَ الْمُتَوَاتِرِ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (4) ، وَكَانَ مُعَظَّمًا فِي قُرَيْشٍ مُحَبَّبًا مُؤْلَفًا خَبِيرًا بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَأَيَّامِهِمْ، وَكَانُوا يَأْتُونَهُ لِمَقَاصِدِ التِّجَارَةِ وَلِعِلْمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ لَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ، ” مِثْلُكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ ” (1) .وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ (2) عَابَ أَبَا بَكْرٍ بِعَيْبٍ، وَلَا نَقَصَهُ وَلَا اسْتَرْذَلَهُ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَهُمْ عَيْبٌ (3) إِلَّا إِيمَانَهُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ قُرَيْشٍ وَلَا نَقْصٌ وَلَا يَذُمُّونَهُ بِشَيْءٍ قَطُّ، بَلْ كَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَهُمْ بَيْتًا وَنَسَبًا مَعْرُوفًا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَكَذَلِكَ صِدِّيقُهُ الْأَكْبَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُيُوبِ.وَابْنُ الدَّغِنَّةِ سَيِّدُ الْقَارَةِ إِحْدَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ”.
[ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ٥٤٧:٥٤٥/٨].
خامسا: جاء في كتب الشيعة إن أئمتهم كانوا يرتعون في الأموال ويتمتعون بالدنيا غاية المتعة .ففي الكافي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [٧] ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ ، قَالَ : دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، فَرَأى عَلَيْهِ ثِيَابَ بِيضٍ [١] كَأَنَّهَا غِرْقِئُ [٢] الْبَيْضِ [٣] ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هذَا اللِّبَاسَ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِكَ [٤]فَقَالَ لَهُ : « اسْمَعْ مِنِّي وَعِ مَا أَقُولُ لَكَ ؛ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ عَاجِلاً وَآجِلاً [٥] ، إِنْ أَنْتَ مِتَّ [٦] عَلَى السُّنَّةِ وَالْحَقِّ [٧] ، وَلَمْ تَمُتْ عَلى بِدْعَةٍ ، أُخْبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم كَانَ فِي زَمَانٍ مُقْفِرٍ [٨] جَدْبٍ [٩] ، فَأَمَّا [١٠] إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا ، فَأَحَقُّ أَهْلِهَا بِهَا أَبْرَارُهَا ، لَافُجَّارُهَا ، وَمُؤْمِنُوهَا ، لَا مُنَافِقُوهَا ، وَمُسْلِمُوهَا ، لَاكُفَّارُهَا ، فَمَا أَنْكَرْتَ يَا ثَوْرِيُّ… إلى أن قال: “فَهذِهِ أَحَادِيثُ رَسُول اللهِ صلىالله عليهوآله وسلم يُصَدِّقُهَا الْكِتَابُ ، وَالْكِتَابُ يُصَدِّقُهُ أَهْلُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ قِيلَ لَهُ : أَوْصِ ، فَقَالَ : أُوصِي بِالْخُمُسِ ، وَالْخُمُسُ كَثِيرٌ ؛ فَإِنَّ [١٢] اللهَ تَعَالى قَدْ رَضِيَ بِالْخُمُسِ ، فَأَوْصى [١٣] بِالْخُمُسِ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَهُ الثُّلُثَ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الثُّلُثَ خَيْرٌ لَهُ ، أَوْصى بِهِ.ثُمَّ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ بَعْدَهُ فِي فَضْلِهِ وَزُهْدِهِ سَلْمَانُ [١٤] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَبُوذَرٍّ رَحِمَهُ اللهُ
[الکافی- ط دار الحدیث المؤلف : الشيخ الكليني الجزء : 9 صفحة : 516:509].
فهذا جعفر الصادق في كتب الشيعة يبرر لنفسه عدم الزهد في الدنيا بقوله “إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها”!!
وقد ذكرنا عن الكاظم انه كان يعيش مُطلق الحريّة في بغداد، ويتوسّط لذوي الميول العبّاسيّة لترويج معاملاتهم الماليّة، ويجلس على أفخر الموائد وألذّها! عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ:، لَمَّا حُمِلَ سَيِّدِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى هَارُونَ، جَاءَ إِلَيْهِ هِشَامُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبَّاسِيُّ، فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدِي قَدْ كُتِبَ لِي صَكٌ[2] إِلَى الْفَضْلِ بْنِ يُونُسَ فَسَلْهُ أَنْ يُرَوِّجَ أَمْرِي! قَالَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ (ع)، فَدَخَلَ إِلَيْهِ حَاجِبُهُ، فَقَالَ يَا سَيِّدِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (ع) بِالْبَابِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَأَنْتَ حُرٌّ وَ لَكَ كَذَا وَ كَذَا! فَخَرَجَ الْفَضْلُ بْنُ يُونُسَ حَافِياً يَعْدُو، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ فَوَقَعَ عَلَى قَدَمَيْهِ يُقَبِّلُهَا، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ! فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ: اقْضِ حَاجَةَ هِشَامٍ! فَقَضَاهَا، ثُمَّ قَالَ يَا سَيِّدِي قَدْ حَضَرَ الْغَدَاءُ فَتُكْرِمُنِي أَنْ تَتَغَدَّى عِنْدِي! فَقَالَ هَاتِ! فَجَاءَ بِالْمَائِدَةِ وَ عَلَيْهَا الْبَوَارِدُ، فَأَجَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع) يَدَهُ فِي الْبَارِدِ، وَ قَالَ: الْبَارِدُ تُجَالُ الْيَدُ فِيهِ، فَلَمَّا رَفَعُوا الْبَارِدَ وَ جَاءُوا بِالْحَارِّ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع) الْحَارُّ حُمَّى”.
[اسم الکتاب : إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 1 صفحة : 500].
فهاهم الأئمة يرتعون على موائد الخلفاء ويتمتعون بالدنيا، وقد صدق الله العظيم لما قال { وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِیرَ ٰثُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا یَسۡتَوِی مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَـٰتَلَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةࣰ مِّنَ ٱلَّذِینَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعۡدُ وَقَـٰتَلُوا۟ۚ وَكُلࣰّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ }
[سُورَةُ الحَدِيدِ: ١٠].
مواضيع شبيهة