أن عائشة رضي الله عنها كانت تزيل دم الحيض من ثوبها بريقها
من جملة الأحاديث التي استنكرها البعض، ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تزيل أثر دم الحيض من الثوب بريقها. والحديث رواه البخاري بسنده عن عَائِشَةُ: «مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا»
[ صحيح البخاري (1/69)].
قال وسام البلداوي: “وكذلك لم تكن عائشة تعرف كيف تغسل دم الحيض الذي يقع على ملابسها، لأنها كانت تبلله بريقها وتفركه”.
[تفضيل السيدة الزهراء (س) على الملائكة والرسل والأنبياء، وسام البلداوي (ص 300)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الحديث حجة لمن ذهب إلى العفو عن يسير الدم، وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين، وكثير من الأئمة.قال ابن قدامة: “فأما الدم والقيح فأكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيره، وممن روي عنه ذلك ابن عباس وأبو هريرة وجابر وابن أبي أوفى وسعيد بن المسيب وابن جبير وطاوس ومجاهد وعروة والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي… ولنا: ما روي عن عائشة قالت: قد يكون لاحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها، وفي رواية: بلته بريقها ثم قصعته بظفرها .رواه أبو داود. وهذا يَدُلُّ على العَفْو عنه؛ لأنَّ الرِّيقَ لا يُطَهِّرُه، ويَتَنَجَّسُ به ظُفْرُها، وهو إخْبارٌ عن دَوامِ الفِعْلِ، ومِثْلُ هذا لا يَخْفَى عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، ولا يَصْدُرُ إلَّا عن أمْرِه “.
[ الشرح الکبير، لابن أبي عمر المقدسي (1/301)].
ثانيا: الحديث ليس فيه التصريح بكونها اكتفت بذلك، فيجوز أنها استعملت الماء بعد إزالة أثر الدم، وإنما لم تنص عليه للعلم به.
قال ابن الملقن: “واقتصارها على ذلك يجوز أن يكون لقلته والعفو عنه، ويجوز أن تكون غسلته بعد ذلك، ولم تنص عليه للعلم به عندهم، وقد نصت عليه في الحديث السالف في قولها: (فَتَغْسِلُهُ، وَتَنْضَحُ على سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ)”.
[ التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ابن الملقن (5-ص67)].
وقد ذكر بعض علماء الرافضة هذا المعنى أيضا. قال الشهيد الأول: “والقصع لعلّه مقدّمة الغسل”.
[ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة-الشهيد الأول-ج1-ص112].
وقال الحلي: “والجواب لا نسلّم دلالة ما ذكرته على موضع النزاع؛ لأن قصعة بالظفر لا يقتضي الاقتصار عليه، فلعلها بعد ذلك تغسله، وخلو الرواية عن ذكر الغسل لا يدل على عدمه، وكذا قوله بلّته بريقها؛ لأن ذلك توصل إلى إزالة ما تلجج بالثوب من عين الدم”.
[المعتبر في شرح المختصر، الحلي (1/421)].
ثالثا: الحديث ليس فيه أنها صلت في هذا الثوب، وإنما أزالت الأثر بريقها ليذهب الأثر فقط، فلا يكون فيه دلالة على جواز تطهير الثوب بهذا، أو مشروعية إزالة النجاسة بغير الماء قال القسطلاني: “لكن يبقى النظر في مخالطة الدم بريقها فقد قالوا فيه حينئذ بعدم العفو وليس فيه أنها صلّت فيه، فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره. فقد سبق بباب عنها ذكر الغسل بعد القرص”.
[إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني (1/352)].
وقال محمد الخضر الشنقيطي: “وليس فيه أيضًا أنها صلَّت فيه، فلا تكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره، ولم تقصد تطهيره”.
[كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري، محمد الخضر الشنقيطي (6/89)].
رابعا: ذهب بعض علماء الرافضة إلى جواز إزالة عين الدم إذا كان يسيرا من الثوب بالبصاق.قال ابن الجنيد: “لا بأس بأن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب، فان قصد بذلك الدم النجس وأن تلك الازالة تطهره فهو ممنوع، (الى أن قال): احتج – يعني ابن الجنيد – بما رواه غياث بن ابراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام، عن علي عليه السلام، قال: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق… الى آخره”.
[فتاوى ابن الجنيد، الإشتهاردي (ص 44)].
قال علي الطباطبائي: “وقول مولانا أمير المؤمنين – عليه السلام – في خبر غياث بن إبراهيم: ” لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق، وعمل به ابن الجنيد”.
[رياض المسائل، علي الطباطبائي (1/172)].
بل من أدلة ابن الجنيد الفقيه الشيعي فيما ذهب إليه، هو الحديث الذي روي عن عائشة رضي الله عنها.
وقال الشهيد الأول: “وقول ابن الجنيد بعدم نجاسة الثوب بدم كعقد الإبهام الأعلى لما روي عن عائشة انها قالت: كان لإحدانا درع ترى فيه قطرا من دم فتقصعه بريقها. أي: تمضغه، ولقول الصادق (عليه السلام): ان اجتمع قدر حمّصة فاغسله، وإلّا فلا”.
[ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (1/112)].
وقال السبزواري: “نسب إلى ابن الجنيد القول بجواز إزالة الدم من الثوب بالبصاق، ولعل مستنده رواية غياث عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه قال لا يغسل بالبزاق شيء عدا الدم”.
[ ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقق السبزواري (1/180)].
وفتوى ابن الجنيد بإزالة الدم بالبصاق إنما هو على جهة التطهير له. قال المجلسي: “وقال ابن الجنيد في مختصره: لا بأس بأن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب، وظاهر هذا الكلام كون ذلك على جهة التطهير له، وجزم الشهيد بنسبة القول بذلك إليه، وقد روى الشيخ في الموثق عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه قال: لا يغسل بالبزاق شيء غير الدم، وبسند آخر عن غياث أيضا، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن علي قال: لا بأس بأن يغسل الدم بالبصاق”.
[ بحار الأنوار-المجلسي (80/40)].
ونسب هذا الرأي أيضا إلى الشريف المرتضى:قال محمد تقي الآملي: “والقائل بإزالة الدم بالبصاق هو السيد المرتضى أيضًا على ما حكى عنه، واستدل له برواية غياث بن إبراهيم: «لا بأس ان يغسل الدم بالبصاق»”.
[ مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى، محمد تقى الآملي (2/408)].
مواضيع شبيهة