أعطى الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم وأرجعه إلى المدينة وقد طرده رسول الله ولعنه.
قال الشيعة إن الحكم بن أبي العاص كان قد طرده رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج المدينة ولعنه لكن عثمان قد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بالحكم من منفاه بالطائف وكرمه بأن أعطاه المال الوفير (ثلاثمائة ألف درهم) وهي صدقات قضاعة.يقول الأميني: “أعطى صدقات قضاعة الحكم بن أبي العاص عمه طريد النبي بعد ما قربه وأدناه وألبسه يوم قدم المدينة وعليه فزر خلق وهو يسوق تيسا والناس ينظرون إلى سوء حاله وحال من معه حتى دخل دار الخليفة ثم خرج وعليه جبة خز وطيلسان [(تاريخ اليعقوبي 2: 41)] .
وقال البلاذري في الأنساب 5: 28 رواية عن ابن عباس أنه قال: كان مما أنكروا على عثمان إنه ولى الحكم ابن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها.قال ابن قتيبة وابن عبد ربه والذهبي: ومما نقم الناس على عثمان إنه آوى طريد النبي (صلى الله عليه وسلم) الحكم ولم يؤوه أبو بكر وعمر وأعطاه مائة ألف”.
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 286].
ثم ذكر الأميني عدة روايات الطعن في الحكم بن أبي العاص وقال: “فلما ولي عثمان رده إلى المدينة فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه.ألم تكن للخليفة أسوة في رسول الله ؟ والله يقول: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير[2] . أو كان قومه وحامته أحب إليه من الله ورسوله ؟
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 300].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الرواية التي فيها أن عثمان أعطى الحكم صدقات قضاعة وكان هذا مما نقموه عليه لا تصح، وإليك الرواية في أنساب الأشراف قال: «وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا الحجاج الأعور عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: كان مما أنكروا على عثمان أنه ولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها»
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (5/ 515)].
الرواية فيها محمد بن حاتم بن ميمون وهو مختلف فيه بين أهل العلم فمنهم من يقويه ومنهم من يضعفه قال ابن الجوزي
«محمد بن حاتم بن ميمون أبو عبد الله المعروف بالسمين روى عن ابن عيينة ويزيد بن هارون قال ابن المديني ويحيى هو كذاب وقال أبو حفص الفلاس ليس بشيء وقال الدارقطني هو ثقة»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (3/ 47)].
وفي الرواية ابن جريج، قال المعلمي «ابن جريج: وصفه النسائي وغيره -أي بالتدليس-. وقال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح»
[ملخص طبقات المدلسين – ضمن «آثار المعلمي» (15/ 272)].
قلت وقد عنعن.وعليه فالرواية التي تقول بأن عثمان قد أعطى الحكم صدقات قضاعة لا تصح.ولو صحت لما كان فيها إشكال، وبيانه أن عثمان رضي الله عنه كان المال قد زاد في عصره زيادة كبيرة والمال المذكور (ثلاثمائة ألف درهم) لا يعد وقتها صورة كبيرة ولا غريبا أن يعطى لمسلم في ذلك الوقت .قال صاحب تاريخ الخميس«وكثر الخراج على عثمان وأتاه المال من النواحى واتخذ الخزائن العظيمة بالمدينة وكان يقسم بين الناس فيأمر للرجل بمائة ألف درهم»
[«تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس» (2/ 256)].
ولذلك زاد عثمان في أعطيات الناس ففي تاريخ الطبري«أول خليفة زاد الناس في أعطياتهم مائة عثمان، فجرت»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 245)].
بل كان يصنع الموائد في رمضان للمسلمين من المتعبدين وابناء السبيل وغيرهم، قال الطبري عن عثمان: “فوضع طعام رمضان، فقال: للمتعبد الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والمعترين بالناس في رمضان»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 246)].
وروى أبو عمر ابن عبد البر عن الحسن قال: “سمعت عثمان يخطب وهو يقول: يا أيها الناس، ما تنقمون علي! وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرا. قال الحسن: وشهدت مناديا ينادى: يا أيها الناس، اغدوا على أعطياتكم، فيغدون، ويأخذونها وافية [4] . يا أيها الناس، اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافية، حتى والله سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسواتكم، فيأخذون الحلل.واغدوا على السمن والعسل. قال الحسن: أرزاق دارة وخير كثير، وذات بين حسن، ما على الأرض مؤمن إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق، ولكنهم لم يصبروا، وسلوا «السيف مع من سل، فصار عن الكفار مغمدا، وعلى المسلمين مسلولا إلى يوم القيامة»
[«الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (3/ 1042)].
ثم إن الثلاثمائة ألف درهم كانت ثمنا لثلاثة أفراس فقط.قال في تاريخ الخميس: «كثرت الاموال حتى كان الفرس يشترى بمائة ألف وحتى كان البستان يباع بالمدينة بأربعمائة ألف درهم وكانت المدينة عامرة كثيرة الخيرات والاموال والناس يجبى اليها خراج الممالك وهى دار الامان وقبة الاسلام فبطر الناس بكثرة الاموال والخيل والنعم وفتحوا أقاليم الدنيا واطمأنوا وتفرغوا ثم أخذوا ينقمون على خليفتهم عثمان رضى الله عنه»
[«تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس» (2/ 258)].
ولا ننسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أعطى رجلا غنما بين جبلين تأليفا له فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: «أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ»
[مسلم، صحيح مسلم، ١٨٠٦/٤].
ولو أن عثمان كان ينطلق من هواه لما أعطى عمه الحكم شيئا إذ أنه هو الذي أراد منعه من الإسلام«لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا وقال:أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟! والله لا أحلك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين. فقال عثمان: والله لا أدعه أبدا ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه»
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (3/ 954)].
[«الطبقات الكبير» (3/ 52 ط الخانجي)].
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (39/ 26)].
فلو كان عثمان ينتقم لنفسه لما أعطى عمه شيئا لكنه يؤثر الإسلام على هوى نفسه رضي الله عنه.
ثانيا: القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- طرد الحكم بن أبي العاص لم يثبت فيه شيء بإسناد صحيح إنما ذكره بعض أهل التواريخ وطعن في ذلك أئمة الإسلام وأنكروه، ويكفينا منهج أهل العلم أن الأمور التاريخية تعامل معاملة أحاديث العقيدة والشريعة، يقول الدكتور أكرم ضياء العمري: “«كما أن استعمال قواعد المصطلح في نقد الروايات التأريخية ينبغي أن يشتد على قدر تعلق المادة بالأحداث الخطيرة التي تؤثر فيها الهواء ويشتط عندها الرواة كأن تكون الروايات لها مساس بالعقائد كالفتن التي حدثت في جيل الصحابة أو ذات صلة بالأحكام الشرعية كالسوابق الفقهية فإن التشدد في قبولها يجعل استعمال قواعد نقد الحديث بدقة أمرا مقبولا»
[«بحوث في تاريخ السنة المشرفة» (ص211)].
وعليه فنحن نقول أين الإسناد الصحيح لطرد النبي -صلى الله عليه وسلم- للحكم؟ ولن نجد مثل ذلك ابدا ولذلك فقد طعن أهل العلم في ذلك .يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “«وأما قصة الحكم فعامة من ذكرها إنما ذكرها مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه، وقل أن يسلم لهم نقلهم من الزيادة والنقصان، فلم يكن هنا (4) نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان والمعلوم من فضائل عثمان، ومحبة النبي – صلى الله عليه وسلم – له، وثنائه عليه، وتخصيصه بابنتيه، وشهادته له بالجنة، وإرساله إلى مكة، ومبايعته له عنه لما أرسله إلى مكة، وتقديم الصحابة له باختيارهم في الخلافة، وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مات وهو عنه راض، وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده، ولا يعرف كيف وقع، ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا يعرف حقيقته، بل مثل هذا مثل الذين يعارضون المحكم بالمتشابه، وهذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ، الذين يبتغون الفتنة.(* ولا ريب أن الرافضة من شرار الزائغين الذين يبتغون الفتنة *) (1) الذين ذمهم الله ورسوله.وبالجملة، فنحن نعلم قطعا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يأمر بنفي أحد دائما ثم يرده عثمان معصية لله ورسوله، ولا ينكر ذلك عليه المسلمون. وكان عثمان – رضي الله عنه – أتقى لله من أن يقدم على مثل هذا (2) ، بل هذا مما يدخله الاجتهاد، فلعل أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – لم يرداه لأنه لم يطلب ذلك منهما، وطلبه من عثمان، فأجابه إلى ذلك، أو لعله لم يتبين لهما توبته، وتبين ذلك لعثمان. وغاية ما يقدر أن يكون هذا خطأ من الاجتهاد أو ذنبا»
[«منهاج السنة النبوية» (6/ 268)].
ويقول القاضي ابن العربي : “«وأما رد الحكم فلم يصح(اي مخالفة عثمان في رده كما زعموا).وقال علماؤنا في جوابه: قد كان أذن له فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال “أي عثمان” لأبي بكر وعمر، فقالا له: إن كان معك شهيد رددناه، فلما ولي قضى بعلمه في رده، وما كان عثمان ليصل مهجور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان أباه ولا لينقض حكمه97»
[«العواصم من القواصم ط دار الجيل» (ص89)].
ويقول أبو بكر الباقلاني: ” « وأما تعلقهم بأنه آوى الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل لأن أكثر الناس ينكره ويقول إن الحكم خرج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كف وكبر فاستأذن في الخروج إلى أهله فأذن له وعلى أن القوم لا يدرون ما سبب طرده فمنهم من يقول إنه كان يحاكي النبي صلى الله عليه وسلم وسلم في مشيته ومنهم من يذكر أنه كان يحاكيه خلف الصفوف وكل هذا من الترهات وقد روي عن غير طريق أيضا أن عثمان كان قد قال لأبي بكر وعمر إني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده فأذن في ذلك فطالباه بآخر معه يشهد بذلك فلم يجد فلما ولى عمل على أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هذا الحكم مما لا يجوز عمل الحاكم فيه وحكمه بعلمه فلا متعلق فيما ذكروه من ذلك»
[«تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل» (ص536)محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي (ت ٤٠٣هـ)].
وبه تسقط الشبهة بالكلية.
ثالثا: القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن الحكم مختلف في صحته بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم على ضعف تلك الروايات ويُرجع في ذلك إلى بحث مختصر موقع الإسلام سؤال وجواب
قال ابن السكن. يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه، ولم يثبت ذلك»
[«الإصابة في تمييز الصحابة» (2/ 91)].
وقال الذهبي: «وقد رويت أحاديث منكرة في لعنه لا يجوز الاحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص الصحبة بل عمومها»
«تاريخ الإسلام – ت تدمري» (3/ 366)
وقال أيضا في “سير أعلام النبلاء” «ويروى في سبه أحاديث لم تصح»
[«سير أعلام النبلاء – ط الرسالة» (2/ 108)].
وقال ابن كثير: «وقد ورد في ذمه ولعنه أحاديث لا تثبت»
[«جامع المسانيد والسنن» (2/ 512)].
وذكرهم لبعض الروايات في ذم بني أمية لا ينفعهم إذ أن تلك الأحاديث كلها مكذوبة ، قال ابن القيم «وكل حديث في ذم بني أمية فهو كذب»
[«المنار المنيف في الصحيح والضعيف – ت أبي غدة» (ص117)].
«وكذلك أحاديث ذم الوليد وذم مروان بن الحكم»
[«المنار المنيف في الصحيح والضعيف – ت أبي غدة» (ص117)].
وإن كان بعض أهل العلم يحسن من أسانيد بعض الروايات في لعن الحكم فإن المختلف فيه لا تقوم به حجة، ولو تنزلنا جدلا وقلنا بصحة الروايات الواردة في لعنه فلابد من تأويل ذلك بقرينة ثبوت إسلامه، وقد صح في مسند أحمد عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ:
كَانَ عُثْمَانُ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ، فَوَضَعْتُ وَضُوءًا لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ لِلصَّلاةِ، فَلَمَّا تَوَضَّأَ، قَالَ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَدَا لِي أَنْ لَا أُحَدِّثَكُمُوهُ. فَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ خَيْرًا فَنَأْخُذُ بِهِ، أَوْ شَرًّا فَنَتَّقِيهِ. قَالَ: فَقَالَ: فَإِنِّي مُحَدِّثُكُمْ بِهِ
[أحمد بن حنبل، مسند أحمد ط الرسالة، ٥٢١/١].
فهذا كلام رجل حريص على تطبيق السنة، فلئن كان قد ورد في لعنه روايات فليس فيها دليل على تأبيد ذلك اللعن إذ قد يكون اللعن قبل إسلامه كونه كان ممن يقصدون الناس عن دين الله تعالى، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن قوما ثم أسلموا بعد ذلك
وعن حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم بن عبد الله يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام فنزلت: {ليس لك من الأمر شيء} إلى قوله: {فإنهم ظالمون}»
[«صحيح البخاري» (5/ 99 ط السلطانية)].
قال البيهقي معلقا: «وكان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ففي رواية عمر بن حمزة، عن سالم، عن ابن عمر قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح يوم أحد، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية، فقال: «سمع الله لمن حمده» قال: «اللهم العن»، فذكرهم إلا أنه ذكر أبا سفيان بدل سهيل، فنزلت: {ليس لك من الأمر شيء، أو يتوب عليهم} [آل عمران: 128]، فتاب الله عليهم، فأسلموا، فحسن إسلامهم»
[«معرفة السنن والآثار» (3/ 118)].
وعند الترمذي عن عبد الله بن عمر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر»، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128] فهداهم الله للإسلام: «هذا حديث حسن صحيح غريب
[«سنن الترمذي» (5/ 228 ت شاكر)].
قال الألباني في الحاشية (حسن صحيح).وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال قَالَ: ” أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا”.
[مسلم، صحيح مسلم، ٢٠٠٧/٤]
أو قوله: “اللهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.
[مسلم، صحيح مسلم، ٢٠٠٨/٤].
وهذا من تمام بشريته صلى الله عليه وآله وسلم وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت مثل هذه الرواية عند الشيعة ففي بحار الأنوار بسند كل رجاله ثقات عند الشيعة “الحسين بن سعيد أو النوادر: عن علا، عن محمد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إنما أنا بشر أغضب وأرضى، وأيما مؤمن حرمته وأقصيته أو دعوت عليه فاجعله كفارة وطهورا، وأيما كافر قربته أو حبوته أو أعطيته أو دعوت له ولا يكون لها أهلا فاجعل ذلك عليه عذابا ووبالا ” [الکتاب: بحار الأنوار – ط دار الاحیاء التراث المؤلف: العلامة المجلسي الجزء: 101 صفحة: 290 و النوادر ص170].
وعليه فإما أن يكون اللعن قبل إسلامه فأسلم، أو بعد إسلامه فينقلب دعاء له لا عليه .
وإما أن يكون الرجل معدود في المنافقين ثم لما رأى عثمان أنه قد تاب من ذلك أرجعه، وباب التوبة مفتوح لا يغلق.يقول ابن حزم: «صرف الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ونفي رسول الله صلى الله عليه وسلم للحكم لم يكن حدا واجبا ولا شريعة على التأييد وإنما كان عقوبة على ذنب استحق به النفي والتوبة مبسوطة فإذا تاب سقطت عنه تلك العقوبة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام وصارت الأرض كلها مباحة»
[«الفصل في الملل والأهواء والنحل» (4/ 120)].
وقال ابن تيمية: “«والطرد هو النفي، والنفي قد جاءت به السنة في الزاني وفي المخنثين، وكانوا يعزرون بالنفي. وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد عزر رجلا بالنفي، لم يلزم أن يبقى منفيا طول الزمان، فإن هذا لا يعرف في شيء من الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيا [دائما] (1) ، بل غاية النفي المقدر سنة، وهو نفي الزاني والمخنث حتى يتوب من التخنيث، فإن كان تعزير الحاكم لذنب حتى يتوب منه، فإذا تاب سقطت العقوبة عنه، وإن كانت على ذنب ماض فهو أمر اجتهادي لم يقدر فيه قدر، ولم يوقت فيه وقت. وإذا كان كذلك، فالنفي كان في آخر الهجرة، فلم تطل مدته في زمن أبي بكر وعمر. فلما كان عثمان طالت مدته، وقد كان عثمان شفع في عبد الله بن أبي سرح إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، وكان كاتبا للوحي، وارتد عن الإسلام، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أهدر دمه فيمن أهدر، ثم جاء [به] (2) عثمان فقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – شفاعته فيه وبايعه، فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم؟ !وقد رووا أن عثمان سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يرده فأذن له في ذلك. ونحن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبد الله بن سعيد بن أبي سرح. وقصة [عبد الله] ثابتة (3) معروفة بالإسناد الثابت … وبالجملة، فنحن نعلم قطعا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يأمر بنفي أحد دائما ثم يرده عثمان معصية لله ورسوله، ولا ينكر ذلك عليه المسلمون. وكان عثمان – رضي الله عنه – أتقى لله من أن يقدم على مثل هذا (2) ، بل هذا مما يدخله الاجتهاد، فلعل أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – لم يرداه لأنه لم يطلب ذلك منهما، وطلبه من عثمان، فأجابه إلى ذلك، أو لعله لم يتبين لهما توبته، وتبين ذلك لعثمان. وغاية ما يقدر أن يكون هذا خطأ من الاجتهاد أو ذنب»
[«منهاج السنة النبوية» (6/ 266)].
وعليه فإن الحكم في كل الأحوال رجل كان كافرا وأسلم وحسن إسلامه والإسلام يجُبّ ما قبله وصِلَةُ أمثاله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي سار عليها عثمان رضي الله عنه ولم يحد عنها قيد أنملة،
رابعا: إلزاما للشيعة نقول أين محاسبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأولئك الذي أكلوا أموال الدولة بالباطل -زعموا-؟ فإن كان علي قد حاسبهم فليخرجوا لنا ذلك وإن قد أقروا أنه لم يغير شيئا ما صنعه الخلفاء من قبله، بل وسار في الناس بالتقية! ، وعندها يلزمهم في علي كل ما قالوا في عثمان رضي الله عنه.
مواضيع شبيهة