آية الرضاع وتحريف القرآن
قال مروان خليفات: “ونحن نقول لأولئك المعاندين الذين يتهمون الإمامية بتحريف القرآن: ما رأيكم بالروايات التي جاءت في صحيحي البخاري ومسلم وبقية كتب السنن والتي تنص على تحريف القرآن؟وعن عائشة أنها قالت: “كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن” .
[وركبت السفينة، مروان خليفات، (ص 611)].
وقال علي الشهرستاني: “على أنّها ادّعت بأنّه أُنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يُحرمن)، ثم نُسخَت تلك بخمس معلومات، فتوفّي رسول الله وهنّ فيما يُقرأ من القرآن”.
[ مصحف أمير المؤمنين علي بين المُنزل والمفسّر، علي الشهرستاني، (ص 25)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الحديث أخرجه مسلم في (صحيحه): “حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ“.
[ صحيح مسلم، (2/ 1075)].
فركزوا على لفظة (وهن فيما يقرأ من القرآن)، وقالوا كيف سقطت؟ والنبي مات وهي تقرأ؟
وهذه اللفظة قد حكم عليها بعض العلماء بالشذوذ:
قال النحاس:“قال أبو جعفر: وفي الحديث لفظة شديدة الإِشكال، وهي قولها: فتوفي رسول الله وهن مما يقرأ من القرآن، وقد قال: جلة أصحاب الحديث قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي بكر فلم يذكر هذا فيه، هما: القاسم بن محمَّد، ويحيى بن سعيد الأنصاري -يأتي بيان من أخرج روايتيهما- قال: فأما قول من قال: إن هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله فعظيم؛ لأنه لو كان مما يقرأ لكانت عائشة قد نبهت عليه، ولكان قد نقل إلينا في المصاحف التي نقلها الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط. وقد قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ولو كان بقي منه شيء لم ينقل إلينا لجاز أن يكون مما لم ينقل ناسخًا لما نقل، فيبطل العمل بما نقل، ونعوذ بالله من ذلك فإنه كفر”.
[ الناسخ والمنسوخ، أبو جعفر النحاس، (ص 64)].
وقال الطحاوي: “وَالْقَاسِمُ، وَيَحْيَى أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمَا فِي الْعِلْمِ؛ وَلِأَنَّ اثْنَيْنِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ وَاحِدٍ لَوْ كَانَ يُكَافِئُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَكَيْفَ وَهُوَ يَقْصُرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ حَدِيثَهُ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا رَوَى كَمَا رَوَى، لَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِالْقُرْآنِ. وَأَنْ يُقْرَأَ بِهِ فِي الصَّلَوَاتِ كَمَا يُقْرَأُ فِيهَا سَائِرُ الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ قَدْ تَرَكُوا بَعْضَ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَكْتُبُوهُ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِك.أَوْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرُ مَا جَمَعَهُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا كَتَبُوهُ مَنْسُوخًا، وَمَا قَصَّرُوا عَنْهُ نَاسِخًا، فَيَرْتَفِعَ فَرْضُ الْعَمَلِ.وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْ قَائِلِيهِ، ثُمَّ الْجِلَّةُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ قَدْ كَانُوا فِي التَّحْرِيمِ بِقَلِيلِ الرَّضَاعِ وَبِكَثِيرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ”.
[شرح مشكل الآثار، الطحاوي، (11/ 490)].
ثانيًا: لو صحت هذه الزيادة فتحمل على قرب النسخ من وفاة النبي ، حيث لم يبلغ البعض فكانوا يقرؤونها على أنها من كتاب الله.
قال الطيبي: “يحمل هذا على أن بعض من لم يبلغه النسخ كان يقرؤه على الرسم الأول؛ إن تلاوتها قد كانت باقية فتركوها، فإن الله تعالي رفع قدر هذا الكتاب المبارك عن الاختلال والنقصان، وتولي حفظه، وضمن بصيانته.فقال عز من قائل: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فلا يجوز على كتاب الله أن يضيع منه آية، ولا أن يخرم حرف كان يتلى في زمان الرسالة، إلا ما نسخ منه” .
[شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي، (7 / 2296)].
قال الزرقاني: “فَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَشْرَ نُسِخَتْ بِخَمْسٍ، وَلَكِنَّ هَذَا النَّسْخَ تَأَخَّرَ حَتَّى تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، فَصَارَ يَتْلُوهُ قُرْآنًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ تَرَكَ، فَالْعَشْرُ عَلَى قَوْلِهَا مَنْسُوخَةُ الْحَكَمِ وَالتِّلَاوَةِ، وَالْخَمْسُ مَنْسُوخَةُ التِّلَاوَةِ فَقَطْ كَآيَةِ الرَّجْمِ”.
[ شرح الزرقاني على الموطأ، (3/ 377)].
يقول النووي: “وقولها: (فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ) هو بضم الياء من يقرأ أو معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى أنه توفي، وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده. فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى”.
ثالثًا: قد اعترف بعض علماء الرافضة بكون هذه الآية من منسوخ التلاوة، ولا علاقة لها بتحريف كتاب الله.قال الطوسي: “الثالث: ما نسخ لفظه وحكمه، وذلك نحو ما رواه المخالفون من عائشة: أنه كان فيما أنزل الله ان عشر رضعات تحرمن، ونسخ ذلك بخمس عشرة فنسخت التلاوة والحكم”.
[ التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، (1/ 13)].
وقال أيضًا: “وأما نسخهما معا، فمثل ما روي عن عائشة أنها قالت: ” كانت فيما أنزله تعالى عشرة رضعات يحرمن، ثم نسخت بخمس” فجرت بنسخة تلاوة وحكما”.
[ عدة الأصول، الطوسي، (2/ 517)].
قال الشريف المرتضى: “مثال نسخ الحكم والتلاوة معا موجود أيضا في أخبار الآحاد، وهو ما روي عن عائشة أنّها قالت: «كان فيما أنزل اللّه سبحانه «عشر رضعات يحرّمن» فنسخ بخمس، وأنّ ذلك كان يتلى»”.
[ نفائس التأويل-الشريف المرتضي، (1/ 183)].
ثلب محمدي زرندي: “إنه قد ذكر أكثر أهل السنة وجماعة من الشيعة أن النسخ على ثلاثة أقسام:أحدها: نسخ التلاوة، ورووا أخبارًا كثيرة دالة على وجود آيات قرآنية ليس في هذا القرآن الموجود منها عين ولا أثر، ويقولون: إنها مما نسخت تلاوته. ونذكر منها آية واحدة على سبيل المثال:فقد روى مسلم بسنده عن عائشة أنها قالت: “كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهن فيما يقرأ من القرآن”.
[بحوث في تاريخ القرآن، مير محمدي زرندي، (ص 277)].
مواضيع شبيهة