7ewaratwelzamat
حوارات وإلزامات

كيف نطمئنّ لـ «صحيحِ البخاري»، وقد كان يروي الحديث بالمعنى؟

0

نص السؤال

إن البخاريَّ كان يَرْوي الحديثَ بالمعنى؛ وهذا مما يَمنَعُ مِن الاطمئنانِ والوثوقِ بصحيحِه؛ فكيف نَثِقُ بـ «صحيحِ البخاريِّ» مع ذلك؟

الجوابُ التفصيليّ:

حقيقةُ هذه الشبهةِ: الطعنُ في السنَّةِ بالطعنِ في أصحِّ الكُتُبِ المصنَّفةِ فيها، والجوابُ عنها يحتاجُ إلى بيانِ موقفِ البخاريِّ مِن الروايةِ بالمعنى، وبيانِ معنى كلامِهِ الذي استدَلَّ به أصحابُ الشبهة.
ويتبيَّنُ ذلك مِن وجوه:
1- الإمامُ البخاريُّ لا يَعجِزُ عن إقامةِ متنِ الحديثِ وأدائِهِ على وجهِهِ دون إخلالٍ بمعناه؛ فليس في كتابتِهِ الحديثَ في بلدٍ غيرِ الذي سَمِعَهُ فيه ما يَقدَحُ في الحديث:
فقد كان الإمامُ البخاريُّ مشهودًا له بقوَّةِ الحفظِ، واستحضارِه للأسانيد، ومعرفتِهِ بالعِلَلِ الدقيقة، ومَن كانت هذه صفتَهُ لا يصعُبُ عليه إقامةُ متنِ الحديثِ وأداؤُهُ على وجهِه.
ثم إن الدليلَ بين أيدِينا؛ فهذا صحيحُهُ فيه آلافُ الأحاديثِ، وقَلَّ حديثٌ منها إلا وقد رواه جماعةٌ غيرُهُ عن شيخِهِ وعن شيخِ شيخِه، وقد تتبَّع ذلك المستخرِجون عليه وشُرَّاحُه؛ فهل وجَدَ أهلُ العلمِ تفاوُتًا مُخِلًّا بالمعنى يؤدِّي إلى فسادِه؟! كلَّا، وللهِ الحمد.
2- ليس في كلامِ البخاريِّ المستدَلِّ به ما يدُلُّ على إخلالِهِ في راويةِ الحديث:
فإن البخاريَّ وإن كان يَرَى جوازَ الروايةِ بالمعنى – وكان ذلك مِن أسبابِ تفضيلِ بعضِ المغارِبةِ لـ «صحيحِ مسلِمٍ»، على «صحيحِه» – فإن ذلك الجوازَ مقيَّدٌ بقيدٍ، وهو ألا تؤدِّيَ الروايةُ بالمعنى إلى تغييرِ المعنى الأصليّ.
أما قولُهُ: «رُبَّ حديثٍ سَمِعتُهُ بالبصرةِ كتَبْتُهُ بالشام، ورُبَّ حديثٍ سَمِعتُهُ بالشامِ كتَبْتُهُ بمِصرَ»، فقيل له: يا أبا عبدِ الله، بكمالِه؟ قال: فسكَت». «تاريخُ بَغْداد» (2/322) -:

صحيح البخاري

فغايةُ ما في هذا: أنه كان يَسمَعُ الشيءَ ولا يكتُبُهُ؛ حتى إذا وجَدَ له مناسَبةً، أو ترجَمةً لائقةً، كتَبَهُ، وسكوتُهُ لا يدُلُّ على أنه أخَلَّ بمعناه، وغايةُ ما يدُلُّ عليه: جوازُ الاختصارِ في الحديثِ بذكرِ بعضِه؛ كما هو شأنُهُ في كتابِهِ: يقطِّعُ الحديثَ الواحدَ في عدَّةِ أبوابٍ، مقتصِرًا في كلِّ بابٍ على ما يَلِيقُ به.
3- كلامُ البخاريِّ المستدَلُّ به، ليس نصًّا أنه عَنَى به الصحيحَ:
فإنه يحتمِلُ أن يكونَ قد عَنَى به غيرَ الصحيحِ، والكلامُ إذا تطرَّق إليه الاحتمالْ، بطَلَ به الاستدلالْ؛ كما في القاعدةِ المعروفة.
وهذا الوجهُ إنما نذكُرُهُ لمَن أبى، ورفَضَ الوجهَيْنِ آنِفَيِ الذِّكْر، وإلا فلو حُمِلَ كلامُهُ على الصحيحِ، فليس فيه إشكالٌ أيضًا بحمدِ الله.

مختصر الجواب

مضمونُ السؤال:
روايةُ الإمامِ البخاريِّ للأحاديثِ بالمعنى مما يَمنَعُ مِن الاطمئنانِ للأحاديثِ التي يَرْويها في صحيحِه، وقد جاء عنه أنه قال: «رُبَّ حديثٍ سَمِعتُهُ بالبصرةِ كتَبْتُهُ بالشام، ورُبَّ حديثٍ سَمِعتُهُ بالشامِ كتَبْتُهُ بمِصرَ»، فقيل له: يا أبا عبدِ الله، بكمالِه؟ قال: فسكَت». «تاريخُ بَغْداد» (2/322)؛ فكلامُ الإمامِ، ثم سكوتُهُ لما سُئِلَ، يَمنَعُ مِن الاطمئنانِ للأحاديثِ التي يَرْويها في «صحيحِه»؛ بحسَبِ وجهةِ نظَرِ السائل.
مختصَرُ الإجابة:
إن البخاريَّ وإن كان يَرَى جوازَ روايةِ الحديثِ بالمعنى، فإن ذلك الجوازَ مقيَّدٌ بقيدٍ، وهو ألا تؤدِّيَ الروايةُ بالمعنى إلى تغييرِ المعنى الأصليِّ، وهذا ما كان يَفعَلُه؛ فإنه كان مِن حُفَّاظِ الإسلام، وعلمائِهِ الأعلام، ولا يَعجِزُ عن تأديةِ الحديثِ على وجهِهِ دون إخلالٍ بمعناه، ومَن ارتاب في ذلك، فلْيَعرِضِ المتونَ التي جاءت بأسانيدِ البخاريِّ على المتونِ أنفُسِها التي جاءت بأسانيدِ غيرِهِ عن شيخِهِ وعن شيخِ شيخِه؛ فلن يجدَ إخلالًا منه بالمعنى.

 

المصدر: مركز أصول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.