قالوا: هناك من هو خير من عائشة بدليل آية التحريم.
قال الشيعة: أن قوله تعالى {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم:5] يفيد أن هناك من النساء من هن خير من عائشة و حفصة على أقل تقدير، و مفهوم المخالفة في قوله تعالى: { مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } هو أن هذه الصفات لا تصدق على عائشة و حفصة!؛ لأن الله تعالى في معرض بيان أن النساء البديلات عنهما سيكن خيرا منها؛ لأن هذه الصفات تصدق عليهن دونها!
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: قوله تعالى {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} هذا إخبار عن قدرة الله أنه إذا و قع الطلاق فإن الله قادر على أن يعوض نبيه بأزواج خير من نسائه. قال الشوكاني: “أَيْ: يُعْطِيهِ بَدَلَكُنَّ أَزْوَاجًا أَفْضَلَ مِنْكُنَّ، و قَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهُنَّ، و لَكِنْ أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنَّهُ إِنْ و قَعَ مِنْهُ الطَّلَاقُ أَبْدَلَهُ خَيْرًا مِنْهُنَّ تَخْوِيفًا لَهُنَّ، و هُوَ كَقَوْلِهِ: {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [سورة محمد:38]، فَإِنَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ الْقُدْرَةِ و تَخْوِيفٌ لَهُمْ”.
[ فتح القدير- الشوكاني- (5/299)].
قال صاحب روح البيان: “وكان الله عالما بأنه u لا يطلقهن، و لكن أخبر عن قدرته على أنه إن طلقهن أبدله خيراً منهن تخويفاً لهن، كقوله تعالى {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [سورة محمد:38]، فإنه إخبار عن القدرة و تخويف لهم لا أن فى الوجود من هو خير من أصحاب محمد .قيل: كل عسى فى القرآن واجب إلا هذا، و قيل: هو أيضًا واجب، و لكن الله علَّقه بشرط و هو التطليق و لم يطلقهن، فإن المذهب أنه ليس على و جه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين إلا أنه إذا طلقهن لعصيانهن له و أذاهن إياه كان غيرهن من الموصوفات بهذه الصفات مع الطاعة لرسول الله خيرًا منهن”.
[ روح البيان- إسماعيل حقي- (10/56)].
وقال الشنقيطي: “وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ }، لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ طَلَّقَهُنَّ، أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ لِلتَّحْقِيقِ، و لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُنَّ كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْأَحْزَابِ»، بِأَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ اللَّهِ و رَسُولِهِ، و بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا و زِينَتِهَا، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ و رَسُولَهُ و الدَّارَ الْآخِرَةَ فَلَمْ يُطَلِّقْهُنَّ، و لَمْ يُبْدِلْهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْهُنَّ”.
[ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن- (8/222)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والصحيح الفرق بين من طلقها و من مات عنها، فمن مات عنها فهي من أمهات المؤمنين و من أزواجه في الآخرة، بخلاف من طلقها فإنها تباح لغيره أن يتزوجها، و لولا هذا لم يحصل لهن بالتخيير فائدة، و قد قال تعالى في آية التخيير: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [سورة الأحزاب:28] “.
[الاستغاثة في الرد على البكري- (ص371)].
و عليه فالآية لا علاقة لها بوجود من هن أفضل من نساء النبي إنما هي إخبار عن قدرة الله على أن يوجد لنبيه ذلك في حال و قوع الطلاق، و لم يقع.
ثانيا: معلوم أن خيرية نساء النبي إنما جاءت من اتصالهن به ، و لذلك قال الله تعالى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [سورة الأحزاب:32].
وهذا التفضيل إنما جاء من اتصال أمهات المؤمنين بالنبي فإذا طلَّق النبي امرأة فقد خرجت من هذا الشرف، و لذلك فإن تحريم الصدقة على نساء النبي طارئ عليهم.ودليل تحريم الصدقة على أزواج النبي رواية مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ كَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا، و تُهْدِي لَنَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، و لَكُمْ هَدِيَّةٌ فَكُلُوهُ“.
[صحيح مسلم- (2/755)].
فإذا كانت تلك الأحكام باقية باتصال أزواج النبي به فالخيرية باقية لهن على سائر نساء الأمة.
ثالثا: أفضلية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ثبتت بالنص عن النبي في حديث الثريد عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «كَملَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، و لَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، و آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، و فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ“.
[ صحيح البخاري- (5/29)].
فهذا دليل و اضح أنها مفضلة حتى على من ذكرهن رسول الله في الرواية على قول بعض أهل العلم، و لا أقل من أنها تلتحق بهن في السيادة كما ألحقها بهن في الفضيلة، و حديث الثريد ثابت عند الرافضة.
في الكافي عن سلمة بن محرز قال:” قال لي أبو عبد الله عليه السلام: عليك بالثريد فإني لم أجد شيئا أوفق منه”
[الكافي- الكليني- (12/445)].
قال المجلسي عنه: “حسن”
[ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (22/143)].
وقال المجلسي الأول: “وفي الصحيح، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سيد الأدم في الدنيا و الآخرة فقال: اللحم أما سمعت قول الله عز و جل و لَحْم طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. و في القوي، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله اللحم سيد الطعام في الدنيا و الآخرة و قال رسول الله سيد إدام الجنة اللحم. و عن أبي جعفر عليه السلام قال: سيد الطعام اللحم”.
[ روضة المتقین- محمد تقي المجلسي- (7 / 502)].
فتشبيه النبي فضل عائشة على النساء بفضل البريد على الطعام تفضيل واضح لها على سائر النساء.
ومما يدل على فضل أم المؤمنين عائشة ما ثبت في الصحيحين؛ أن عمرو بن العاص سأل النبي عن أحب الناس إليه قَالَ: «عَائِشَةُ» قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا»”
[ صحيح البخاري- (5/166)؛ صحيح مسلم- (4/1856)].
قال ابن حزم رحمه الله: “فَإِذا كَانَت عَائِشَة أتم حظاً فِي الْمحبَّة الَّتِي هِيَ أتم فَضِيلَة فَهِيَ أفضل مِمَّن حَظه فِي ذَلِك أقل من حظها؛ و لذَلِك لما قيل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام من الرِّجَال؟ قَالَ: أَبوهَا، ثمَّ عمر. فَكَانَ ذَلِك مُوجبا لفضل أبي بكر ثمَّ عمر على سَائِر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، فَالْحكم بِالْبَاطِلِ لَا يجوز فِي أَن يكون يقدم أَبُو بكر ثمَّ عمر فِي الْفضل من أجل تقدمها فِي الْمحبَّة عَلَيْهِمَا و مَا نعلم نصا فِي و جوب القَوْل بِتَقْدِيم أبي بكر ثمَّ عمر على سَائِر الصَّحَابَة إِلَّا هَذَا الْخَبَر و حده.(قَالَ أَبُو مُحَمَّد): و قد نَص النَّبِي على مَا ينْكح لَهُ من النِّسَاء فَذكر الْحسب و الْمَال و الْجمال و الدّين، و نهي عَن كل ذَلِك بقوله: “فَعَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك“، فَمن الْمحَال الْمُمْتَنع أَن يكون يحض على نِكَاح النِّسَاء و اختيارهن للدّين فَقَط، ثمَّ يكون هُوَ يُخَالف ذَلِك فيحب عَائِشَة لغير الدّين، و كَذَلِكَ قَوْله : “فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام” لَا يحل لمُسلم أَن يظنّ فِي ذَلِك شَيْئًا غير الْفضل عِنْد الله تَعَالَى فِي الدّين، فوصف الرجل امْرَأَته للرِّجَال لَا يرضى بِهِ إِلَّا خسيس نذل سَاقِط، و لَا يحل لمن لَهُ أدنى مسكة من عقل أَن يمر هَذَا فِي باله عَن فَاضل من النَّاس فَكيف عَن الْمُقَدّس المطهر الْبَائِن فَضله على جَمِيع النَّاس “.
[ الفصل في الملل والأهواء والنحل- (4/ 99-100)].
رابعا: الآية أخبرت عن الصفات التي تليق بمن يختارها الله زوجة لنبيه ، و لن يرضى الله لنبيه بزوجة ليس فيها تلك الصفات، فلما عُلِم بالضرورة أن النبي لم يطلقهن فقد ثبت أن الله تعالى رضيهن لتحقق تلك الصفات فيهن، و قد و قع التخيير لجميع النساء و قبله و قع الإيلاء و الاعتزال من جميع النساءفقد روى البخاري بسنده قال:” سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ – فَقَالَ: اعْتَزَلَ النَّبِيُّ أَزْوَاجَهُ“.
[ صحيح البخاري، (7/28)].
وعند مسلم؛ قال عمر: “فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ و الْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ، فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ، قَالَ: «نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ»، فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ و جْهِهِ، و حَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ، و كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللهِ ، و نَزَلْتُ، فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ، و نَزَلَ رَسُولُ اللهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً و عِشْرِينَ، قَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا و عِشْرِينَ»، فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي، لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللهِ نِسَاءَهُ، و نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [سورة النساء:83].فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ، و أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ و جَلَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ”.
[صحيح مسلم، (2/1105)].
وعليه فقد و قع الاعتزال للكل و التخيير للكل و نزلت الآية في الجميع، فيلزم أن يقول ذاك الرافضي في سائر النساء ما قاله في عائشة و حفصة، لأن الآية لم تستثن و احدة منهن بل عمَّت الجميع.
مواضيع شبيهة
كسر عائشة للقصعة في حضرة النبيّ