قالوا إن عليا رأى أنه أحق بالخلافة من أبي بكر
قال محمد رضا المظفر وقوله لأبي بكر: ” أفسدت علينا أمرنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقا ” لا يدل إلا على أنه كان يرى نفسه أحق بالخلافة من أبي بكر وليس ذلك بعجيب، فعلي من عرفه المسلمون ربيب رسول الله وزوج الزهراء وأبو الحسنين وأتقى الناس لله فلا غرو إذا رأى نفسه أحق بالخلافة من غيره
[السقيفة المؤلف : المظفر، الشيخ محمد رضا الجزء : 1 صفحة : 179].
واستدلوا بعدة روايات عند أهل السنة نعرضها أثناء البحث.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الرواية التي ذكرها عالمهم محمد رضا المظفر إنما نقلها من كتاب مروج الذهب للمسعودي الشيعي، وهي بلا إسناد فضلا عن خلو جميع المصادر منها،(هامش: جاء في «مروج الذهب» للمسعودي ـ وهو شيعي ـ (2/ 307): (أنه لما بويع أبو بكر في يوم السَّقيفة، وجُدِّدَتْ البيعة له يوم الثلاثاء على العامة، خرَجَ عليٌّ فقال: أفسدتَ علينا أمورَنا، ولم تستشر، ولم تَرْعَ لنا حقاً، قال أبو بكر: بلى، ولكني خشيت الفتنة … إلخ)” ولكن هناك روايات سنية استدلوا بها في ذلك، فنحن نعرضها ونبين عوار استدلالهم بها قال البلاذري : ” حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي عوانة، عن خالد الحذاء عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرَةَ : أَنَّ عَلِيًّا أَتَاهُمْ عَائِدًا فقال: ما لقي أحد من هَذِه الأُمَّةَ مَا لَقِيتُ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ، فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَاسْتَخْلَفَ عُمَرَ فَبَايَعْتُ وَرَضِيتُ وَسَلَّمْتُ، ثُمَّ بَايَعَ النَّاسُ عُثْمَانَ فَبَايَعْتُ وَسَلَّمْتُ وَرَضِيتُ، وَهُمُ الآنَ يَمِيلُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ “.
[انساب الاشراف – احمد بن يحيى البلاذري – ج 1 ص 294 ].
وجاء في كتاب السنة لعبد الله بن الامام احمد بلفظ : ” 1315 – حَدَّثَنِي أَبِي وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَبُو بَكْرٍ، نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَاهُمْ عَائِدًا وَمَعَهُ عَمَّارٌ فَذَكَرَ شَيْئًا فَقَالَ عَمَّارٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: ” اسْكُتْ فَوَاللَّهِ لَأَكُونَنَّ مَعَ اللَّهِ عَلَى مَنْ كَانَ، ثُمَّ قَالَ: «مَا لَقِيَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا لَقِيتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فَذَكَرَ شَيْئًا فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَايَعْتُ وَسَلَّمْتُ وَرَضِيتُ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَ كَلِمَةً فَاسْتَخْلَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ فَبَايَعْتُ وَسَلَّمْتُ وَرَضِيتُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عُمَرُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ فَبَايَعَ النَّاسُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَايَعْتُ وَسَلَّمْتُ وَرَضِيتُ، ثُمَّ هُمُ الْيَوْمَ يَمِيلُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ» // رجاله ثقات ” .
[السنة لعبد الله بن أحمد – تحقيق : د. محمد سعيد سالم القحطاني – ج 2 ص 563] .
لقد حكم الحافظ الذهبي على هذا الاثر بالوضع , حيث قال في الميزان : ” 6952 – كثير بن يحيى بن كثير، صاحب البصري.شيعي. نهى عباس العنبري الناس عن الاخذ عنه.وقال الازدي: عنده مناكير، ثم ساق له عن أبي عوانة عن خالد الحذاء، عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: سمعت عليا يقول: ولى أبو بكر رضى الله عنه وكنت أحق الناس بالخلافة. قلت: هذا موضوع على أبي عوانة، ولم أعرف من حدث به عن كثير ” .
[ميزان الاعتدال – محمد بن احمد الذهبي – ج 3 ص 410] .
هذا من ناحية السند واما من ناحية المتن، فالمتن فيه رضى علي رضي الله عنه بخلافة ابي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وفيه بيعته لهم من غير اعتراض، او ذكر اولويته بالامر، فخلاصة الكلام ان هذا رأي لعلي رضي الله عنه قائم على اجتهاد منه، ولا يوجد عليه نص من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، والدليل على ذلك ما جاء في كتاب السنة للامام عبد الله بن احمد , حيث قال : ” 1336 – حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثِقَةٌ، وَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وُجُودُ أَبِي عَاصِمٍ أَقَامَ إِسْنَادَهُ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي الْإِمَارَةِ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ رَأَيْنَاهُ» // سنده صحيح ”
[السنة لعبد الله بن أحمد – تحقيق : د. محمد سعيد سالم القحطاني – ج 2 ص 570] .
.
فعلي رضي الله عنه يصرح بأن امارة المسلمين لا يوجد فيها عهد من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم له بها , وانما هو اجتهاد منه رضي الله عنه، ولقد ورد عنه رضي الله عنه اعترافه بان الله سبحانه وتعالى قد جمع الامة بعد موت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على خيرها , وفي هذا دليل على رجوع علي رضي الله عنه عن رايه , روى الامامان الحاكم والبزار , والنص من مستدرك الامام الحاكم : ” 4467 – أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي بِمَرْوَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفُ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدُ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعَهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ”
[التعليق – من تلخيص الذهبي] 4467 – صحيح ” .
[ المستدرك على الصحيحين مع التلخيص للامام الذهبي – ابوعبد الله محمد بن عبد الله الحاكم – ج 3 ص 84 , ومسند البزار – أبو بكر أحمد بن عمرو البزار – ج 2 ص 186] .
وقال الحافظ الهيثمي : ” 14334 – وَعَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قِيلَ لَعَلِيٍّ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: «مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَسْتَخْلِفُ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ».رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ “.
[مجمع الزوائد – أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي – ج 9 ص 47 ].
فعلي رضي الله عنه يقر بان الله سبحانه وتعالى قد جمع الامة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على خيرها , وهو الصديق ابو بكر رضي الله عنه، وفي الاثر ايضا اعتراف علي رضي الله عنه بعدم وجود وصية من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على رجل بعينه في الخلافة .ولقد ورد في الصحيحين تمني علي رضي الله عنه ان يلقى الله سبحانه وتعالى بعمل عمر رضي الله عنه : ” حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ “.
[صحيح البخاري – بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ القُرَشِيِّ العَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – ج 3 ص 11 , وصحيح مسلم – بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ – ج 4 ص 1858].
ومن المعلوم ان من اعمال عمر رضي الله عنه خلافته التي كانت مبنية على العدل , والرحمة , واقتفاء اثر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .ولقد وردت شهادة علي لابي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعا بانهم قد عملوا في خلافتهم بسنة النبي صلى الله عليه واله وسلم , قال الامام احمد : ” حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَلْعٍ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: ” قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَعُمَرُ كَذَلِكَ ” (3) إسناده حسن ” .
[مسند الامام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 2 ص 315 ].
فهذه شهادة من علي رضي الله عنه على ان خلافة ابي بكر وعمر كانت على هدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , ولهذا كان علي رضي الله عنه يعاقب بحد المفتري على من يفضله على ابي بكر وعمر رضي الله عنهما , , ففي ظلال الجنة : ” 993 – ( حسن ) حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْبَزَّارِ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، ثنا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يُفَضِّلُونَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَوْ كُنْتُ تُقِدِّمْتُ فِي ذَلِكَ لَعَاقَبْتُ فِيهِ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْعُقُوبَةَ قَبْلَ التَّقْدِمَةِ، مَنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَهُوَ مُفْتَرٍ، عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي. إِنَّ خِيَرَةَ النَّاسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَقَدْ أَحْدَثْنَا أَحْدَاثًا يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا مَا أَحَبَّ ”
[ظلال الجنة في تخريج احاديث السنة لابن ابي عاصم – محمد ناصر الدين الالباني – ج 2 ص 479 ].
ثانيا: ربما يشغب أحدهم برواية البخاري وقول علي “وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”
[«صحيح البخاري» (5/ 140 ط السلطانية)].
فنقول إن كلمة استبد في لغة العرب إنما هي بمعنى الانفراد عن الشخص برأي ما.
قال ابن منظور في لسان العرب: “واسْتَبَدَّ فُلَانٌ بِكَذَا أَي انْفَرَدَ بِهِ؛ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: كُنَّا نُرَى أَن لَنَا فِي هَذَا الأَمر حَقًّا فاسْتَبْدَدتم عَلَيْنَا؛ يُقَالُ: استبَدَّ بالأَمر يستبدُّ بِهِ اسْتِبْدَادًا إِذا انْفَرَدَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. واستبدَّ برأْيه: انْفَرَدَ بِهِ”.
[ابن منظور، لسان العرب، ٨١/٣].
ولا يُفهم من ذلك أن أبا بكر وعمر كانا ينفردان بالرأي دون علي في كل شيء، إنما فقط ما حصل في أمر السقيفة لانشغال علي بتجهيز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- فلكل أ حد من الصحابة دوره في قيادة الأمة في تلك المرحلة الصعبة، وإلا فلم يكن يجوز للصحابة أن يُبقوا الأمة دون حاكم لمدة يومين أو أكثر ‘ -نهار الاثنين ، وليلة الثلاثاء ونهاره ، ثم دفن عليه الصلاة والسلام وسط ليلة الأربعاء- حتى ينتهوا من تجهيز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- والصلاة عليه ودفنه ﷺ
وقد روى الشيعة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه قال: “الواجب في حكم الله وحكم الاسلام، على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالا كان أو مهتديا، أن لا يعملوا عملا ولا يقدموا يدا ولا رجلا، رجل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجبي فيئهم، ويقيم حجهم، وجمعهم، ويجبي صدقاتهم”.
[مستدرك الوسائل ج6ص14].
وليس من الواجب استيعاب كل فرد من أفراد الحل والعقد وانتظاره، وإلا لتعطلت مصالح الأمة يمجرد غياب فرد من أفرادها، وقد سلم علي بن أبي طالب ورضي باختيار الصديق لكنه فقط كان يحب أن يشارَك في المشورة كونه من أقرب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإليك كلام أهل العلم في تفسير كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال الحافظ: “وَقَوْلُهُ اسْتَبْدَدْتَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَاسْتَبَدْتَ بِدَالٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَأُسْقِطَتِ الثَّانِيَةُ تَخْفِيفًا كَقَوْلِهِ فَظَلْتُمْ تفكهون أَصْلُهُ ظَلَلْتُمْ أَيْ لَمْ تُشَاوِرْنَا وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْخِلَافَةُ قَوْلُهُ وَكُنَّا نُرَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ قَوْلُهُ لِقَرَابَتِنَا أَيْ لِأَجْلِ قَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبًا أَيْ لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ قَوْلُهُ حَتَّى فَاضَتْ أَيْ لَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ يَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ مِنَ الرِّقَّةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَلَعَلَّ عَلِيًّا أَشَارَ إِلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ استبد عَلَيْهِ بِأُمُورٍ عِظَامٍ كَانَ مِثْلُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْضُرَهُ فِيهَا وَيُشَاوِرَهُ أَوْ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فِي عَقْدِ الْخِلَافَةِ لَهُ أَوَّلًا وَالْعُذْرُ لِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ التَّأَخُّرِ عَنِ الْبَيْعَةِ الِاخْتِلَافَ لِمَا كَانَ وَقَعَ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ السَّقِيفَةِ فَلَمْ يَنْتَظِرُوهُ قَوْلُهُ شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَيْ وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ قَوْلُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ أَيِ الَّتِي تَرَكَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ فَلَمْ آلُ أَيْ لَمْ أُقَصِّرْ”.
[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ٤٩٥:٤٩٤/٧].
قال العيني: “قَوْله: (استبددت) من الاستبداد وَهُوَ الِاسْتِقْلَال بالشَّيْء، ويروى: استبدت، بدال وَاحِدَة وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا مثل قَوْله: فظلتم تفكهون، أَي: فظللتم. قَوْله: (بِالْأَمر) أَي: بِأَمْر الْخلَافَة (وَكُنَّا نرى) بِضَم النُّون وَفتحهَا. قَوْله: (لقرابتنا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: لأجل قرابتنا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم”.
[بدر الدين العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ٢٥٩/١٧].
قال القسطلاني: ” (ولكنك استبددت) بدالين إحداهما مفتوحة والأخرى ساكنة (علينا بالأمر) أي لم تشاورنا في أمر الخلافة (وكنا نرى) بفتح النون في الفرع كأصله وبالضم (لقرابتنا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نصيبًا) من المشاورة ولم يزل علي -رضي الله عنه- يذكر له ذلك (حتى فاضت عينا أبي بكر) من الرقة (فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم) أي وقع فيه التنازع والاختلاف (من هذه الأموال) التي تركها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من فدك وغيرها (فلم) ولأبوي ذر والوقت فإني لم (آل) بمد الهمزة وضم اللام لم أقصر (فيها) في الأموال (عن الخير ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنعه فيها إلا صنعته”.
[القسطلاني، شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ٣٧٦/٦].
إذا هو رضي الله عنه كونه كان شابا ابن ثلاث وثلاثين سنة (الاحتجاج للطبرسي ١/٩٦) يريد أن يشارك في الأمور العظام ولكونه من أقرب الناس لرسول الله ﷺ، ولذلك لم يقل علي أنكم اغتصبتم الخلافة ولا كفرتم بعد ايمان ولا شيء مما يقوله الشيعة، بل وهو بنفسه غير هذا الاستبداد بقوله ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ
[مسلم، صحيح مسلم، ١٣٨٠/٣].
وأنتم تقولون أن عليا لم يبايع، أو على الأقل تأخرت بيعته ستة أشهر فالسؤال إذا كان هناك استبداد فلماذا لم يقم أبو بكر وعمر بإرغام ” علي علي البيعة في ذلك الوقت ؟
ثالثا: مجرد قول علي أنه أحق بالإمامة من غيره يبطل عقيدة الشيعة كونهم يعتقدون أن الإمامة ليست كسبا حتى يكون علي هو الأحق، بل يعتقدون أنها محض تفضل كالنبوة، ولا يمكن أن يقول نبي أنا أحق بالنبوة من فلان، ذلك لأن النبوة تفضل، وعليه فمجرد قول علي أنه أحق يلزم منه أنه لا يؤمن بنظرية الإمامة المنصوص عليها، ثم إذا كانت الإمامة بالأحقية فالسؤال ما هو الفعل الذي فعله الجواد حتى ينصب إماما وهو ابن ست سنوات؟! وما هو الفعل الذي فعله المهدي حتى ينصب إماما وهو ابن خمس سنوات؟!
مواضيع شبيهة