فتح عائشة رضي الله عنها لكوة في قبر النبي .
قال الكوراني: “عائشة علمت المسلمين أن يتوسلوا بقبر النبي ! عقد الدارمي في سننه (1/43) باباً تحت عنوان: (باب ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته)، وروى فيه هذا الحديث: (حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: أنظروا قبر النبي فاجعلوا منه كوىً إلى السماء، حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق)”.
[ألف سؤال وإشكال- علي الكوراني العاملي- (ص 114)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولاً: الحديث المقصود يرويه أبو الجوزاء أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: “قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطاً شَدِيداً، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِىِّ فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوًى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَراً حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبِلُ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّىَ عَامَ الْفَتْقِ”.
[ رواه الدارمي- (1/56)، رقم (92)، تحت باب: ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته].
(كوى) جمع “كوة”، وهي الفتحة.
قال الدارمي: “حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: . . . ثم ذكر الحديث.وهذا الأثر ضعيف، لا يصح.
قال الألباني: “وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة:
أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف. قال فيه الحافظ في “التقريب”: صدوق له أوهام. وقال الذهبي في “الميزان”: “قال يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: ليس بحجة، يضعفون حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس، كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه”.
وثانيها: أنه موقوف على عائشة، وليس بمرفوع إلى النبي ، ولو صح لم تكن فيه حجة؛ لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون، ولسنا ملزمين بالعمل بها .
وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم، وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في “الاغتباط بمن رمي بالاختلاط” تبعًا لابن الصلاح حيث أورده في (المختلطين) من كتابه (المقدمة)، وقال: “والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده”.قلت: وهذا الأثر لا يُدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الرد على البكري”: “وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح، ولا يثبت إسناده، ومما يبين كذب هذا: أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقيا كما كان على عهد النبي r، بعضه مسقوف، وبعضهم مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي r كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء. بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول .. ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جداراً عالياً وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف. وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بَيِّن”.
[ التوسل- (ص127: 128)].
ثانيا: على فرض أنه صحيح، فإنه موقوف على عائشة – فلا يحتج به عند المحققين؛ لأنه يصبح من الآراء الاجتهادية التي يخطئ أصحابها ويصيبون، والعقيدة توقيفيه لا مجال للاجتهاد فيها، إضافة إلى ذلك كله فإنه يعارضه ما روي عن عمر أنه أمر بتعمية قبر دانيال خشية الافتتان به، فقد ذكر محمد بن إسحاق عن خالد بن دينار عن أبي العالية قال: (لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرًا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة، فلما كان الليل دفناه، وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس، لا ينبشونه).
فانظر ما في هذه القصة من صنع أصحاب رسول الله وتعمية قبر هذا الرجل؛ لئلا يفتتن به الناس، هذا يؤكد أنه مستحيل من رجال هذا صنعهم أن يبرزوا قبر رسول الله ، أو يرضوا بذلك لأجل نزول المطر كما زعم من نقل هذا الأثر.
[مجلة البحوث الإسلامية- مجموعة من المؤلفين- (74/ 203-204)].
ثالثا: ليس في هذا الحديث دليل لما يعتقده الرافضة من جواز الاستغاثة بالنبي محمد ، فأنت لا تجد في الحديث شيئا يدل على ذلك من قريب أو من بعيد، وغاية ما فيه إثبات كرامة للنبي بعد موته، كما وصفها الدارمي في “مسنده” في تبويب الحديث، وهي بركة جسده الطاهر، وقدره الشريف عند الله تعالى، ولا يعني ذلك جواز أن يذهب المسلمون إليه ليستغيثوا به وهو في قبره، والصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا ذلك، إنما كشفوا كوة من سقف حجرته ليواجه السماء، ولم يطلب أحد منهم السقيا من النبي ، ولا خاطبوه بحاجتهم إلى ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “قصد القبور للدعاء عندها، ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن: أمرٌ لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء والصالحين المتقدمين، بل أكثر ما ينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية.وأصحابُ رسول الله قد أجدبوا مرات، ودهمتهم نوائب غير ذلك، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبي ؟!بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به (أي: بدعائه)، ولم يستسق عند قبر النبي .بل قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كشفت عن قبر النبي r لينزل المطر، فإنه رحمة تنزل على قبره، ولم تستسق عنده، ولا استغاثت هناك”.
[اقتضاء الصراط المستقيم- (2/197)].
مواضيع شبيهة