زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب قال عن رسول الله ﷺ أنه يهجر
من جملة ما اعتمد عليه الرَّافضة في تكفيرهم لعمر بن الخطَّاب رضى لببه عنه حديث البخاري في حادثة الكتابة التي أمر بها رسول الله ﷺ، عند وفاته، أو ما يعرف بحديث «رزية الخميس»، فقد ادعوا أن عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه وصف رسول الله ﷺ، بأنه (يهجر). وهو مجرد ادعاء واتهام عارٍ عن الصحة، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
قال العاملي تحت فصل: (في الطعن فيمن تقدمه بظلمه وعدوانه): «النوع الثاني في عمر، وهو أمور منها: أن النبي ﷺ طلب دواة وكتفًا؛ ليكتب لهم كتابًا لا يختلفون بعده، وأراد النص على عليٍّ ، وتوكيد ما قال في حقه يوم الغدير وغيره، فلما أحس عمر بذلك منعه وقال: إنه يهجر، هذه روايتهم فيه».
[«الصراط المستقيم» علي بن يونس العاملي (3/3)].
وجعلوا هذا من السب لرسول الله ﷺ، وبنوا عليه تكفير عمر.
يقول التستري: «أول من سب رسول الله ﷺ في مرضه الذي توفي فيه، صلوات الله عليه وآله، هو عمر بن الخطَّاب خليفة […]
[كذا في النسخة بياض، ولعلَّ الحذف من المطبعة].
حيث قال رسول الله ﷺ: «ايتوني بدواة وكتف؛ لأكتب كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا، فقال عمر: إن الرجل ليهجر».
[«الصوارم المهرقة» نور الله التستري ص[224]].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولًا: إن من عجيب حال الرَّافضة أن هذا الحديث الذي يكررونه دائمًا، بل ويجعلونه من أكبر المطاعن والمثالب على عمر رضى الله عنه حسب زعمهم، لم يرو في كتبهم، ولا نقله مصنفوهم وعلماؤهم.
قال محمد آصف محسني: «من عجيب الحال أنه لا رواية عند الشيعة، ولو بسند ضعيف، تروي ما قال عمر ومن تبعه لرسول الله ﷺ في مرضه بعد رد أمره بإتيان القرطاس والدواة، أن الرجل يهجر أو غلبه الوجع (كلتا الجملتين واحد)، حسبنا كتاب الله، كما نقله أهل السُّنَّة في صحاحهم وكتبهم».
[«مشرعة بحار الأنوار» محمد آصف محسني (1/402)].
فمن العجب حقًا: أنهم كفروا عمر رضى الله عنه بناء على أمر لم يثبت عندهم أصلًا.
ثانيًا: إن هذه العبارة لم يثبت في رواية من تلك الروايات أن من قالها هو عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه وتفصيل ذلك فيما يلي:
فعن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله، وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطَّاب، فقال النبي ﷺ: «هلمّ أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده»، فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله؛ فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول الله كتابًا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر؛ فلمَّا أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله ﷺ: «قوموا». قال عبيد الله: فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب؛ لاختلافهم، ولغطهم».
[«صحيح البخاري» (7/120) برقم [5669]].
وفي رواية للبخاري: «ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له، أهجر؟ استفهموه. فقال: ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه».
[«صحيح البخاري» (4/99) برقم [3168]].
وفي رواية أخرى للبخاري: أن من قال إن رسول الله وجع بعض الرجال، دون نسبة هذا القول لعمر.
وفيه أن طائفة من أهل البيت كانت مع عمر، وذلك في رواية جاء فيها: «لما حضر رسول الله ﷺ، وفي البيت رجال، فقال: «هلمّوا أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده». فقال بعضهم: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله: «قوموا».
[«صحيح البخاري»(6 /9) برقم [4432]].
وفي رواية النسائي: وردت كلمة هجر بصيغة السؤال: «فقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟!ا ستفهموه. فذهبوا يفدون عليه. قال: «دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه».
[«السنن الكبرى» النسائي (5/367) برقم [5823]].
وفي رواية أحمد: «قالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ – قال سفيان: يعني: هذى – استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه».
[«مسند أحمد» (3/409) برقم [1935]].
وفي مسند الحميدي من حديث ابن عباس: «فقال: ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه…».
[«مسند الحميدي» (1/457) برقم[536]].
والخلاصة من هذه الأحاديث: أن عبارة «هجر رسول الله» – أي: هذي- لم تنسب إلى عمر بن الخطَّاب في أي رواية من الروايات، لا في الصحيحين، ولا في غيرهما من كتب أهل السُّنَّة، وإنما نسبت لبعض الرجال الحاضرين؛ كما في رواية الشيخين.
قال الدهلوي: «من أين يثبت أن قائل هذا القول هو عمر رضى الله عنه مع أنه وقع في أكثر الروايات (قالوا) بصيغة الجمع؟!».
[«مختصر التحفة الاثنى عشرية» الدهلوي ص[250]].
ثالثًا: إن الأصح، كما يقول كثير من أهل العلم، ومنهم: القاضي عياض [«الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى» القاضي عياض (2/886)].، والقرطبي [«المفهم» القرطبي (4 /559)].، والنووي [«شرح صحيح مسلم» النووي (11/79)].، وابن حجر [ «فتح الباري» ابن حجر (8/133)].، أن الرواية وردت (أهجر) بالهمز، أي: بالاستفهام، اعتراضًا على من رفض الكتابة لرسول الله H، أي: أيمكن أن يهذي رسول الله ﷺ حتى تمتنعوا عن التماس دواة ليكتب لنا الكتاب؟!
قال القرطبي: «وعلى هذا: يستحيل أن يكون قولهم: أهجر، لشكٍّ عرض لهم في صحة قوله زمن مرضه، وإنّما كان ذلك من بعضهم على جهة الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة، وتلكّأ عنه، فكأنه يقول لمن توقف: كيف تتوقف، أتظن أنه قال هذيانًا؟ فدع التوقف وقرّب الكتف، فإنه إنما يقول الحق، لا الهجر. وهذا أحسن ما يحمل ذلك عليه».
[«المفهم» القرطبي (4 /560)].
رابعًا: على فرض التسليم بأنها لم تكن استفهامًا، بل إخبارًا من بعض الحاضرين، فهي خطأ من قائلها؛ بسبب الحيرة والدهشة وعظيم المصاب برسول الله ﷺ.
قال الإمام النووي: «وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها، قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة، لعظيم ما شاهده من النبي ﷺ من هذه الحال الدالة على وفاته، وعظيم المصاب، وخوف الفتن، والضلال بعده».
[«شرح النووي على مسلم» النووي (11/93)].
وتكون العبارة قد صدرت من أحد ممن قرب دخوله في الإسلام.
قال القرطبي: «فلو قدّرنا: أن أحدًا منهم قال ذلك عن شكٍّ عرض له في صحّة قوله؛ كان خطأ منه. وبعيدٌ أن يقرّه على ذلك القول من كان هناك ممن سمعه من خيار الصحابة، وكبرائهم، وفضلائهم. هذا تقديرٌ بعيدٌ، ورأيٌّ غير سديد. ويحتمل: أن يكون هذا صدر عن قائله عن دهشةٍ وحيرةٍ أصابته في ذلك المقام العظيم، والمصاب الجسيم».
[«المفهم» القرطبي (4/560)].
وقد حسّن هذا الكلام الحافظ ابن حجر.فقال: «ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات التي ذكرها القرطبي، ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام، وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع قد يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك؛ ولهذا وقع في الرواية الثانية، «فقال بعضهم: إنه قد غلبه الوجع»، ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد ابن خلاد عن سفيان في هذا الحديث، فقالوا: ما شأنه يهجر؟ استفهموه».
[«فتح الباري» ابن حجر (8/132)].
وهذه اللفظة قيلت في حضور رسول الله ﷺ، وكبار أصحابه، وفيهم عليرضى الله عنه فلم ينكروا على قائلها، ولم يؤثموه، فدل ذلك على أنه معذور على كل حال، ولا يتكلم فيه بعد ذلك إلا مفتون في الدين، زائغ عن الحق والهدى.
خامسًا: قول عمر رضى لله عنه: «غلبه الوجع» عند البخاري ومسلم، معناه أن الرسول ﷺ تعب، والكتاب الذي سيكتبه سيطول ويؤذي رسول الله، ويزيد في مرضه، ولا نريد أن نؤذي رسول الله، فسيكتبه عندما يصح من وعكته، فإن الله لا يقبضه قبل إكمال الرسالة. وعمررضى الله عنه لم يكن يتوهم وفاة رسول الله ﷺ؛ بدليل عدم تصديقه لخبر وفاته عندما أعلن، فعدم كتابة ذلك كان شفقة برسول الله لئلا يتأذى؛ لأن الكتابة ستطول. ولا يخفى أن نسبة لفظ الوجع من عمر لرسول الله لا منقصة فيه.
سادسًا: لا يستقيم أن يكون عمر رضى الله عنه قد ارتكب خطأً جسيمًا في حق رسول الله ﷺ، ولا يثبت فيما وصلنا أنه كان ثمت رد فعل من الحاضرين في هذا المجلس، وعلى رأسهم علي بن أبي طالبرضى الله عنه، بل وجدناه يثني على عمر رضى الله عنه الثناء العطر بعد موته، كما ورد في «نهج البلاغة»، وكما هو مثبت في غيره من الكتب المعتمدة عند الشيعة، وزوجه ابنته من السيدة فاطمة (أم كلثوم)، والنبي ﷺ، يقول: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، أفيكون هذا صنيع إمام معصوم قد علم إساءة هؤلاء لرسول الله، بل وفسقهم وتآمرهم على الدين وردتهم؟! أفيقابلهم مع ذلك بالمحبة والتقدير والثناء؟!
سابعًا: أنه قد ورد في بعض روايات الرَّافضة نسبة الهذيان لرسول الله ﷺ، وللأئمة أيضًا، وهذا هو اتهامهم نفسه لعمر I.
روى الصدوق بإسناده، عن ابن عباس، قال: «لما مرض رسول الله ﷺ وعنده أصحابه… فإذا الحسن والحسين يبكيان ويصطرخان وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله ﷺ: من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين، فعانقهما وقبلهما».
[«الأمالي» الصدوق ص[735]].
فهل أصاب رسول الله الهذيان – حسب روايتكم – أيها الرَّافضة؟! أم ستقولون إنّ هذا الأمر كان من شدة ما كان يعانيه ﷺ، في مرضه؟!
بل قد وردت نسبة الهذيان صراحة للإمام علي بن الحسينI فقد روى ابن طاووس بسنده، عن أبي جعفر بن رستم قال: «حضر علي بن الحسين الموت، فقال لولده: يا محمد، أي ليلة هذه؟ قال: كذا، قال: وكم مضى من الشهر؟ قال: كذا وكذا. قال: فإنها الليلة التي وعدتها، ثم دعا بوضوء فجيء به، فقال: إن فيه فأرة، فقال بعض القوم: إنه ليهجر، فجاءوا بالمصباح فإذا فيه فأرة فأمر به فأهريق، وجيء بماء آخر فتوضأ وصلى، حتى إذا كان آخر الليل توفي».
[«فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم» لابن طاووس ص[228]].
وهذه الواقعة كانت قبيل وفاة الإمام علي بن الحسين، فلا شك أن القوم الذين كانوا معه هم من أقرب الناس إليه، فكيف جوزوا عليه الهذيان؟!
بل ورد في كتبهم إقرار جعفر الصادق على نفسه بأنه كان يهجر.
والحديث رواه الصفار بسنده، عن حمران بن أعين قال: «قلت لأبي عبد الله : أنبياء أنتم؟ قال: لا. قلت: فقد حدثني من لا أتهم أنك قلت: إنكم أنبياء، قال: من هو؟ أبو الخطَّاب؟ قال: قلت: نعم، قال: كنت إذًا أهجر».
[«بصائر الدرجات» الصفار ص[278]].
وتأمّل كيف حاول المجلسي أن يرقع كلام جعفر الصادق، ويجد له مخرجًا بكل طريقة: «قوله: «كنت إذًا أهجر» على صيغة الخطَّاب، وأهجر على أفعل التفضيل من الهجر بمعنى الهذيان، أي: الآن حيث ظهر أنك اعتمدت على قول أبي الخطَّاب الكذاب ظهر كثرة هذيانك، أو على صيغة التكلم وكذا «أهجر» أيضًا على التكلم، ويكون على الاستفهام التوبيخي، أي: على قولك حيث تصدق أبا الخطَّاب في ذلك، فأنا عند هذا القول كنت هاذيًا، إذ لا يصدر من العاقل مثل ذلك في حال العقل».
[«بحار الأنوار» المجلسي (52 /320)].
وكلا الاحتمالين الذين ذكرهما المجلسي لا يسعفهما النص، ويلزم عليهما لوازم، منها:
جعل العبارة في سياق الخطَّاب، أي: أن حمران بن أعين هو الذي وقع في الهجر والهذيان؛ بسبب تصديقه لكلام أبي الخطَّاب، وهذا يلزم منه الطعن في حمران نفسه، ألم يقل الرَّافضة: أن هذه الكلمة من باب السب والشتم؟! أفيجوز للإمام أن يسب ويشتم حمران – وهو من الثقات- بسب اعتماده على كلام رجل قال إنه ثقة عنده ولا يتهمه؟!
جعل العبارة في سياق التكلم، أي: أن الصادق نسب الهجر إلى نفسه، لكنه كان استفهامًا توبيخيًّا، ويقال مثله أيضًا في العبارة التي جاءت في الصحيحين عن بعض الصحابة، فكان استفهامًا استنكاريًّا على بعض من رفض كتابة الكتاب، ومن فمك أدينك.
ثامنًا: إن كانت هذه العبارة فيها إساءة لمقام النبيّ ﷺ، وسب وشتم له، كما يزعم الرَّافضة، فما جوابهم عما صدر عن زرارة، واتهامه للإمام جعفر الصادق أنه لا يدري ما يخرج من رأسه.
روى الكشي بسنده، عن عمر بن أبان، عن عبد الرحيم القصير، قال: «قال لي أبو عبد الله : ايت زرارة وبريدًا، فقل لهما: ما هذه البدعة التي ابتدعتماها؟ أما علمتما أن رسول الله ﷺ قال: كل بدعة ضلالة. قلت له: إني أخاف منهما، فأرسل معي ليثا المرادي، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله ، فقال: والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر، فأما بريد فقال: لا والله لا أرجع عنها أبدًا».
[«اختيار معرفة الرجال» الطوسي (1/364)].
وهذا اتهام واضح من زرارة للإمام الصادق بأنه يتكلم بما لا يعي، وأنه لا يدري ما يخرج من رأسه، فهل كان جعفر الصادق يخرّف أو يهذي مثلًا؟! أم يقال إن زرارة كان سيء الأدب في خطابه لإمامه؟! والعجيب أن علماء الرَّافضة بعد إقرارهم بسوء أدب زرارة في كلامه، إلا أنهم حاولوا أن يرقعوا هذا الذي وقع منه.
قال محسن الأمين: «وقوله: «وما شعر» فيه سوء أدب، لا يمكن صدوره من مثل زرارة، فإن صح أمكن حمله على بعض المحامل، نظير ما حمل عليه كلام الصادق ».
[«أعيان الشيعة» محسن الأمين (3/ 559)].
فمع إقراره بأن في هذا الخطَّاب سوء أدب، إلا أنه قرر وجوب تأويله، وحمله على أحسن المحامل.
أما إذا تعلق الأمر بأصحاب رسول الله ﷺفلا يصبح لهذه المحامل الحسنة وجود.
مواضيع شبيهة
زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه أول من حرم نكاح المتعة