زعمهم أن عليا رفض السير بسيرة أبي بكر
واحتجوا في ذلك بما رواه الامام احمد قال : “حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: كَيْفَ بَايَعْتُمْ عُثْمَانَ وَتَرَكْتُمْ عَلِيًّا؟ قَالَ: مَا ذَنْبِي؟ قَدْ بَدَأْتُ بِعَلِيٍّ، فَقُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَسِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: فَقَالَ: فِيمَا اسْتَطَعْتُ. قَالَ: ثُمَّ عَرَضْتُهَا عَلَى عُثْمَانَ، فَقَبِلَهَا ”
[- مسند الامام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 1 ص 560] .
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الرواية ضعيفة ولا تثبت ففيها سُفْيَان بن وَكِيع بن الْجراح، قال النسائي: “لَيْسَ بِشَيْء”
[النسائي، الضعفاء والمتروكون للنسائي، صفحة ٥٥]
وقال ابن الجوزي: “قَالَ البُخَارِيّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ لِأَشْيَاء لقنوه إِيَّاهَا قَالَ أَبُو زرْعَة لَا يشْتَغل بِهِ قيل لَهُ أَكَانَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ قَالَ نعم وَقَالَ ابْن عدي كَانَ إِذا لقن تلقن وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ ابْن حبَان قيل لَهُ فِي أَشْيَاء لقنها فَلم يرجع عَنْهَا فَاسْتحقَّ التّرْك لإصراره”.
[ابن الجوزي، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي، ٤/٢].
قال الذهبي: “ضعف وَقَالَ أَبُو زرْعَة كَانَ يتهم بِالْكَذِبِ”
[الذهبي، شمس الدين، المغني في الضعفاء، ٢٦٩/١] [الذهبي، شمس الدين، الكاشف، ٤٤٩/١]
وبه تسقط الرواية من ناحية الإسناد .
ثانيا : حتى لو صحت الرواية فلا طعن فيها في أحد من الصحابة فقد يكون قصد عبد الرحمن تقليد الشيخين في السير بالعدل والإنصاف دون التقليد في الأحكام. لأن سيرة أبي بكر وعمر ترك التقليد، ومما يؤكد هذا أن أحكام أبي بكر وعمر في كثير من الفقهيات مختلفة، فقبل عثمان لما فهمه من هذا القصد.ونقول ايضا إن عبد الرحمن لم يشك في أن عليًا سيسلك طريق الخليفتين في عدليهما وإنصافهما وإنما قال ذلك ليقرره ويؤكده وليقع الرضا من الجماعة ويستميل قلوب السامعين، وقدر علي أنه دعاه إلى التقليد في الأحكام، بينما يعلم أن عمرًا لم يقلد أبابكر في مسائل الحرام والحلال، فلم يقبل أن يدعوه عبد الرحمن إلى التقليد وترك الاجتهاد فامتنع عن قبول الشرط، والحكم بالتقليد جائز عند الفقهاء، فهي مسالة اجتهاد، فلعل عثمان وعبدالرحمن كانا يريان جواز التقليد ولا يرى على ذلك. وعلى هذا يكون عبد الرحمن مصيبًا في اشتراطه وتقريره وتأكيد الأمر، ويكون على مصيبًا في الامتناع منه ويكون عثمان مصيبًا أيضًا في قبول الاشتراط.
[خلافة عثمان بن عفان.35 هـ (ص: 4)د. مصطفى حلمي].
ثالثا: الثابت عند أهل السنة أن عليا كان على سيرة أبي بكر وعمر، وكان كثير المدح لهما وذكر مآثرهما والقول بتفضيلهما على سائر الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , روى الامام البخاري بسنده : “عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ»، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: «مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ» ”
[صحيح البخاري – بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا – ج 5 ص 7 ].
وفي فضائل الصحابة: “عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: أَلَا تُوصِي؟ قَالَ: مَا أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُوصِي، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا فَسَيَجْمَعُهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ»
[«فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل» (1/ 404)].
فإن كان علي يعلم أن الصديق هو خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن يرفض السير بسيرته قطعا.
رابعا: الشيعة يقرون أن عليا سار بسيرة الشيخين ولم يغير شيئا من أحكامها قال الشريف المرتضى في كتابه (الذخيره في علم الكلام) ص 478: “وأما إقراره عليه السلام أحكام القوم لما صار الأمر إليه فالسبب فيه واضح وهو استمرار التقية في الأيام المتقدمة باق وما زال ولا حال وإنما أفضت الخلافة إليه بالاسم دون المعنى”.وقال مرتضى العسكري معالم المدرستين 2/158 بعدما ساق عدة روايات قال: “تدلنا هذه الروايات أن الامام علي لم يغير شيئا مما فعلوه قبله في الخمس وتركة الرسول ولم يكن ليستطيع ان يغير شيئا”.وقال الشيخ محمد إسحاق الفياض في كتابه الأراضي ص278: “أمير المؤمنين (ع) لا يقدر على تغيير ما صنعه الخلفاء قبله”.وفي كتاب “فدك و العوالي أو الحوائط السبعة في الكتاب و السنة و التاريخ و الأدب” لمحمد باقر الحسيني الجلالي ١/٤٥٠ قال: “في خلافة أمير المؤمنين (صلوات اللّه و سلامه عليك): و لم يكن باستطاعة الإمام علي (عليه السلام) أن يغيّر شيئا ممّا سنّه الرجلان”.
ويقول محمد الشيرازي في كتابه ليالي بيشاور ١/٨١١: “وأما قولك ـ أيها الحافظ ـ : بأن عليا عليهالسلام حيث لم يردّ فدكا إلى أولاد فاطمة. فقد أمضى حكم الخليفة ، فهو خطأ ، لأنه عليهالسلام ما تمكّن أن يغيّر ما ابتدعه الخلفاء قبله ، فكان عليهالسلام مغلوبا على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثين والقاسطين”.
كل هذه النصوص تدلنا على أن عليا إنما سار بسيرة الشيخين ولم يغير شيئا منها .
وصدق ابن التركماني لما قال في كتابه: الإمامة وأثرها في الحكم على الصحابة (ص: 73): إنه خرج من الدنيا وما أظهر ما في نفسه، وإنه سار في أموال رسول اللّه ﷺ في خلافته بسيرتهم، وقرأ هذا القرآن، وصلى التراويح، وحيا الأرض كما حيوها، ومدحهم على منابره بالمدح العظيم الذي قد امتلأت الكتب به، وإذا سألناكم قلتم: هذا كله صحيح قد فعله عليّ وقاله، إلاّ أن باطنه فيه خلاف ظاهره، وإنما قاله تقرباً إلى أنصاره وأعوانه لأن ذلك كان يعجبهم، ويرون إمامة هؤلاء فقاله خوفاً منهم وتقرباً إليهم، فكتب أسلافكم مملوءة بأنه قد فعله تقيةً وخيفةً، والآن تذكرون بأنه قد كاشف في البراءة منهم ومن أفعالهم في زمن عثمان وقبل أن تصير الخلافة إليه، فأنتم لا تعملون على تحصيل، ولقلة حيلتكم وأنه ليس معكم حجة في مذهبكم ما تأتون بالشيء تظنونه حجة لكم فتنقضون به على أنفسكم من حيث لا تشعرون، ففي هذا كفاية.وأيضا فقد كان في الصحابة من يخالف أبا بكر وعمر في مسائل الاجتهاد. ولا يحتشم ذلك، ولا ينكر أبو بكر وعمر ذلك، وقد خالفهما ابن مسعود، وأبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وغيرهم. فتعلم أن ما يتعلق به هؤلاء باطل.قال أبو نعيم الأصبهاني في كتابه فضائل الخلفاء الراشدين (ص: 158): “مَعَ أَنَّ عَلِيًّا فِي خِلَافَتِهِ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي شَيْءٍ وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ بِسُنَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَغْزُو فِي خِلَافَتِهِمَا وَيُصَلِّي خَلْفَهُمَا وَيَأْخُذُ الْعَطَاءَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَجْزٌ وَلَا ضَعْفٌ عَنْ أَخْذِ الْخِلَافَةِ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.
ومن هنا نعلم أن عليا رضي الله عنه سار بسيرة الشيخين على نهج الكتاب والسنة الذي يعرفه المسلمون لا على نهج دين الشيعة الذي يعترفون أن عليا لم يعمل به قط.
خامسا: لئن رفض علي -جدلا- السير بسيرة الصديق فقد رفض مهدي الشيعة السير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى النعماني في الغيبة: عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ صَالِحٌ مِنَ الصَّالِحِينَ سَمِّهِ لِي أُرِيدُ الْقَائِمَ ع فَقَالَ اسْمُهُ اسْمِي قُلْتُ أَيَسِيرُ بِسِيرَةِ مُحَمَّدٍ ص قَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا زُرَارَةُ مَا يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِمَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص سَارَ فِي أُمَّتِهِ بِالْمَنِ كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ وَ الْقَائِمُ يَسِيرُ بِالْقَتْلِ بِذَاكَ أُمِرَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَهُ أَنْ يَسِيرَ بِالْقَتْلِ وَ لَا يَسْتَتِيبَ أَحَداً وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُ
[ كتاب الغيبة للنعماني المؤلف : النعماني، محمد بن إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 231].
فالمعصوم عندهم ينزه المهدي أن يسير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وكفى بهذا رفضا للإسلام من مهديهم، ولأجل ذلك من قارن المهدي برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن هذا الرجل على على دين محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما ذكره النعماني أيضا بسنده: “عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا يَصْنَعُ الْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لَأَحَبَّ أَكْثَرُهُمْ أَلَّا يَرَوْهُ مِمَّا يَقْتُلُ مِنَ النَّاسِ أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُ إِلَّا بِقُرَيْشٍ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ وَ لَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَقُولَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَيْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَ لَوْ كَانَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ”.
[كتاب الغيبة للنعماني المؤلف : النعماني، محمد بن إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 233]
ورووا أيضا أنه يرفض السير بسيرة علي رضي الله عنه، فقد رووا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ بَيَّاعِ الْأَنْمَاطِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع جَالِساً فَسَأَلَهُ الْمُعَلَّى بْنُ خُنَيْسٍ أَيَسِيرُ الْقَائِمُ إِذَا قَامَ بِخِلَافِ سِيرَةِ عَلِيٍّ ع فَقَالَ نَعَمْ وَ ذَاكَ أَنَّ عَلِيّاً سَارَ بِالْمَنِّ وَ الْكَفِّ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ شِيعَتَهُ سَيُظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ سَارَ فِيهِمْ بِالسَّيْفِ وَ السَّبْيِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ شِيعَتَهُ لَمْ يُظْهَرْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً
[كتاب الغيبة للنعماني المؤلف : النعماني، محمد بن إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 232].
بل إن مهديهم يأتي بدين جديد لا علاقة له بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بأحد من أهل البيت ممن سبقوه، فهو سيتعامل مع دين النبي محمد كأنه دين جاهلية عياذا بالله، فقد رووا عن: “عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ ع فَقُلْتُ إِذَا قَامَ الْقَائِمُ ع بِأَيِّ سِيرَةٍ يَسِيرُ فِي النَّاسِ فَقَالَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ يَسْتَأْنِفُ الْإِسْلَامَ جَدِيداً”.
[كتاب الغيبة للنعماني المؤلف : النعماني، محمد بن إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 232].
وكم في هذا من إلزام وإشكال على الشيعة الإمامية الاثنى عشرية.
والحمد لله رب العالمين
مواضيع شبيهة