إن لي شيطانا يعتريني
قال الشيعي عماد الدين الطبري: “ويا عجبا من رجل له شيطان يعتريه بحيث يؤثر في أموال الناس و أعراضهم و لم يكن معصوما بإقراره على نفسه أنّ الشيطان يستولي عليه، فكيف يجوز للمسلمين الاقتداء به؟! و أيضا لا يؤمن شرّه في كلّ أوقاته لأنّه معرض لعروض الشيطان عليه، و أيّ عاقل يشهد على نفسه هذه الشهادة و يعترف عليها بما لا يقوله العدوّ في عدوّه؟!
[اسم الکتاب : كامل البهائي المؤلف : الطبري، عماد الدين الجزء : 1 صفحة : 384].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: لا يصح في ذلك عن الصديق شيء فقد جاء ذلك من طريقين
الأول عند ابن سعد في الطبقات قال: «أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ خَطِيبًا فَلا وَاللَّهِ مَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ أَحَدٌ بَعْدُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي وُلِّيتُ هَذَا الأمر وأنا له كاره وو الله لَوَدِدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيهِ. أَلا وَإِنَّكُمْ إِنْ كَلَّفْتُمُونِي أَنْ أَعْمَلَ فِيكُمْ بِمِثْلِ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ أَقِمْ به. كان رسول الله.
ص. عَبْدًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ وَعَصَمَهُ بِهِ. أَلا وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ فَرَاعُونِي. فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي وَإِنْ رَأَيْتُمُونِي زِغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَاعْلَمُوا أَنَّ لِيَ شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَاجْتَنِبُونِي لا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ».
[«الطبقات الكبرى ط العلمية» (3/ 159)].
وهذه الرواية مرسلة عن الحسن قال الامام مسلم في مقدمة صحيحه : ” وَالْمُرْسَلُ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ”
[- صحيح مسلم – ابو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري – ج 1 ص 80 ].
وقال الامام ابو عمرو بن الصلاح : ” وَالْمَشْهُورُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ التَّابِعِينَ فِي اسْمِ الْإِرْسَالِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ……..
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْسَلِ حُكْمُ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، إِلَّا أَنْ يَصِحَّ مُخْرَجُهُ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ”.
[مقدمة ابن الصلاح – عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح – ص 53] .
وقال الامام الذهبي : ” ومن أوهى المراسيل عندهم : مراسيلُ الحَسَن”.
[ – الموقظة – ابو عبد الله محمد بن احمد الذهبي – ص 6 ].
وقال الامام الالباني في مراسيل الحسن البصري رحمه الله : ” قلت : والمرسل ضعيف عند المحدثين ، وبخاصة مرسل الحسن البصري ؛ فقد قال بعض الأئمة : (( مراسيل الحسن البصري كالريح )) ”
[سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الالباني – ج 12 ص 666 ].
وأما الطريق الثاني فقد جاء عند ابن عساكر قال: ” أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر أنا عمر بن أحمد بن عمر بن مسرور أنا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي نا محمد بن عبد الوهاب الكوفي من كتابه نا يحيى بن سلمة بن كهيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن أبي بكر أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني وليتكم ولست بخيركم ولعلكم تطلبوني بعمل نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) ولست هناك إن نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعصم بالوحي وإن لي شيطانا يغويني فإذا رأيتموني أحسن فأعينوني وإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني أن لا أصيب من أبشاركم وأعراضكم ”
[تاريخ دمشق – علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر- ج 30 ص 304] .
وهذا الطريق ضعيف بيحيى بن سلمة بن كهيل. قال الامام البخاري : ” 417- يحيى بن سلمة بن كهيل الكوفي: عن أبيه، في حديثه مناكير ”
[- الضعفاء – محمد بن اسماعيل البخاري – ص 139] .
وقال ابن الجوزي : ” 3720 يحيى بن سَلمَة بن كهيل الْكُوفِي يروي عَن أَبِيه قَالَ ابْن نمير لَيْسَ مِمَّن يكبت حَدِيثه قَالَ يحيى لَيْسَ بِشَيْء لَا يكْتب حَدِيثه وَقَالَ البُخَارِيّ فِي حَدِيثه مَنَاكِير وَقَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان مُنكر الحَدِيث جدا لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف ”
[الضعفاء والمتروكون – عبد الرحمن بن علي بن الجوزي – ج 3 ص 196 ].
وقال الذهبي : ” 6977 – ت / يحيى بن سَلمَة بن كهيل عَن أَبِيه قَالَ أَبُو حَاتِم مُنكر الحَدِيث وَتَركه النَّسَائِيّ وَقَالَ الْعقيلِيّ ضَعِيف ويغلو فِي التَّشَيُّع ”
[ المغني في الضعفاء – محمد بن احمد الذهبي – ج 2 ص 736] .
وقال ابن حجر : ” 7561 يحيى بن سلمة بن كهيل بالتصغير الحضرمي أبو جعفر الكوفي متروك وكان شيعيا من التاسعة مات سنة تسع وسبعين وقيل قبلها ت “292 –
[ تقريب التهذيب – احمد بن علي بن حجر – ج 1 ص 591] .
و عليه فالبحث ساقط بسقوط ما اعتمدوا عليه
ثانيا: لو صح هذا لكان فيه مدح كبير للصديق، ومعلوم أنه ما من أحد الا ووكل به شيطان، فإذا غضب استغل الشيطان غضبه وتعرض له فأراد الصديق -وكان فيه حدة- أن يتجنبه الناس حالة الغضب حتى لا يظلم أحدا منهم، وهذا لا شك أنه من المدح لا الذم وإلا لزم ذم الأنبياء، ولم يقل احد بذلك، فقد قال الله تعالى عن آدم وزوجه عليهما السلام : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا (20) : الاعراف } , وقال تعالى : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ( 120 ) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ( 121 ) : طه } , وذكر الله تعالى تحقق الزلل من تاثير الشيطان فقال : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( 36 ) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 37 ) : البقرة } .
وكون الشيطان مع كل أحد من بني آدم هذا ثابت حتى في كتاب الله، قال تعالى (وَقَالَ قَرِینُهُۥ هَـٰذَا مَا لَدَیَّ عَتِیدٌ) [ق: 23]، فالقرين هو الذي لا يفارق الإنسان، وقد فسر الشيعة القرين هنا بأنه الشيطان:قال في (تفسير الصافي): “قال قرينه أي: الشيطان المقيض له: ربنا ما أطغيته” التفسير الصافي، الفيض الكاشاني (5/62)،وفي الكافي (2 /266 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “ما من قلب إلا وله أذنان، على إحداهما ملك مرشد، وعلى الأخرى شيطان”قال المجلسى في المرآة (9 /377)، حسن كالصحيح.
وعليه فلا يلام الصديق على قوله هذا بل هو تواضع واعتراف بالحق .
ثالثا: قال شيخ الاسلام ابن تيمية مبينا معنى الكلام المنقول عن ابي بكر رضي الله عنه : ” قَالَ الرَّافِضِيُّ ” وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا يَسِيرًا. مِنْهَا مَا رَوَوْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يَعْتَصِمُ بِالْوَحْيِ، وَإِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي» ، وَكَيْفَ يَجُوزُ إِمَامَةُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِالرَّعِيَّةِ عَلَى تَقْوِيمِهِ، مَعَ أَنَّ الرَّعِيَّةَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ؟ “. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَكْبَرِ فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَأَدَلِّهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، فَلَمْ يَكُنْ طَالِبَ رِيَاسَةٍ، وَلَا كَانَ ظَالِمًا، وَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِ اسْتَقَمْتُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَأَعِينُونِي عَلَيْهَا، وَإِنْ زِغْتُ عَنْهَا فَقَوِّمُونِي، كَمَا قَالَ أَيْضًا: أَيُّهَا النَّاسُ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ.وَالشَّيْطَانُ الَّذِي يَعْتَرِيهِ يَعْتَرِي جَمِيعَ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَرِينَهُ مِنَ الْجِنِّ.وَالشَّيْطَانُ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَرِينَهُ مِنَ الْجِنِّ “ قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” وَأَنَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ ” .وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا مَرَّ بِهِ بَعْضُ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ مَعَ صَفِيَّةَ لَيْلًا، قَالَ: ” عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ” ثُمَّ قَالَ: ” إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» ” .وَمَقْصُودُ الصِّدِّيقِ بِذَلِكَ: إِنِّي لَسْتُ مَعْصُومًا كَالرَّسُولِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهَذَا حَقٌّ.وَقَوْلُ الْقَائِلِ: كَيْفَ تَجُوزُ إِمَامَةُ مَنْ يَسْتَعِينُ عَلَى تَقْوِيمِهِ بِالرَّعِيَّةِ؟ كَلَامُ جَاهِلٍ بِحَقِيقَةِ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ هُوَ رَبًّا لِرَعِيَّتِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُمْ، وَلَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ. وَإِنَّمَا هُوَ وَالرَّعِيَّةُ شُرَكَاءُ يَتَعَاوَنُونَ هُمْ وَهُوَ عَلَى مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِعَانَتِهِمْ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِعَانَتِهِ، كَأَمِيرِ الْقَافِلَةِ الَّذِي يَسِيرُ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ: إِنْ سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ اتَّبَعُوهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ عَنِ الطَّرِيقِ نَبَّهُوهُ وَأَرْشَدُوهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ صَائِلٌ يَصُولُ عَلَيْهِمْ تَعَاوَنَ هُوَ وَهُمْ عَلَى دَفْعِهِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ أَكْمَلَهُمْ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَرَحْمَةً كَانَ ذَلِكَ أَصْلَحَ لِأَحْوَالِهِمْ ”
[منهاج السنة النبوية – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 5 ص 461 – 463] .
وقال أيضا رحمه الله : ” أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي يَعْتَرِيهِ قَدْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ يَعْرِضُ لِابْنِ آدَمَ عِنْدَ الْغَضَبِ، فَخَافَ عِنْدَ الْغَضَبِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ ; فَأَمَرَهُمْ بِمُجَانَبَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: ” «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» ” ; فَنَهَى عَنِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ أَبُو بَكْرٍ، أَرَادَ أَنْ لَا يَحْكُمَ وَقْتَ الْغَضَبِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَطْلُبُوا مِنْهُ حُكْمًا، أَوْ يَحْمِلُوهُ عَلَى حُكْمٍ فِي هَذَا الْحَالِ. وَهَذَا مِنْ طَاعَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ … وَقَدْ قَالَ مُوسَى لَمَّا قَتَلَ الْقِبْطِيَّ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 15] ، وَقَالَ فَتَى مُوسَى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 63] . وَذَكَرَ اللَّهُ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 36] ، وَقَوْلُهُ: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 20] .فَإِذَا كَانَ عَرْضُ الشَّيْطَانِ لَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ – عَلَيْهِمُ السَّلَامُ – فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي إِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ؟ ! وَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ مُئَوَّلَةٌ.قِيلَ لَهُ: فَيَجُوزُ لِغَيْرِكَ أَنْ يَتَأَوَّلَ قَوْلَ الصِّدِّيقِ، لِمَا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ مِنْ إِيمَانِهِ وَعِلْمِهِ، وَتَقْوَاهُ وَوَرَعِهِ. فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ يُعَارِضُ مَا عُلِمَ. وَجَبَ تَأْوِيلُهُ ” .
[ منهاج السنة – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 8 ص 267 – 272 ].
رابعا:ورد عند الشيعة فيما يروونه عن أئمتهم مثل ما شنعوا به على الصديق وأكثر منه، فقد جاء عن الامام زين العابدين رحمه الله في الصحيفة السجادية التصريح بغواية الشيطان وأن العاصم من ذلك هو التمسك بالله تعالى، حيث قال : ” إلهي أشكو إليك عدوا يضلني ، وشيطانا يغويني ، قد ملأ بالوسواس صدري ، وأحاطت هواجسه بقلبي ، يعاضد لي الهوى ، ويزين لي حب الدنيا ، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى “.
[ – الصحيفة السجادية – زين العابدين علي بن الحسين – ص 403] .
وورد عنه رحمه الله ما نقله الصدوق : ” 977 – وكان علي بن الحسين عليه السلام يقول في سجوده ” اللهم إن كنت قد عصيتك فإني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الايمان بك منا منك علي لا منا مني عليك ، وتركت معصيتك في أبغض الأشياء إليك وهو أن أدعو لك ولدا أو أدعو لك شريكا منا منك علي لا منا مني عليك ، وعصيتك في أشياء على غير وجه مكابرة ولا معاندة ، ولا استكبار عن عبادتك ، ولا جحود لربوبيتك ، ولكن اتبعت هواي واستزلني الشيطان بعد الحجة علي والبيان ، فإن تعذبني فبذنوبي غير ظالم لي ، وإن تغفر لي وترحمني فبجودك وبكرمك يا أرحم الراحمين ” . وينبغي لمن يسجد سجدة الشكر أن يضع ذراعيه على الأرض ويلصق جؤجؤه بالأرض ” .
[من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج 1 – ص 333] .
وفي علل الشرائع انه ما من أحد الا ومعه شيطان وملك روى الصدوق بسنده : ” عن أبى عبد الرحمان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني ربما حزنت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد وربما فرحت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد، فقال: انه ليس من أحد إلا ومعه ملك وشيطان، فإذا كان فرحه كان من دنو الملك منه، فإذا كان حزنه كان من دنو الشيطان منه وذلك قول الله تبارك وتعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) ”
[علل الشرائع – الصدوق – ج 1 ص 92 ].
وفي الكافي ان الشيطان يجري في ادم عليه السلام وذريته مجرى الدم في الجسم , قال الكليني : ” 1 – عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ آدَمَ ( عليه السلام ) قَالَ يَا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانَ وَ أَجْرَيْتَهُ مِنِّي مَجْرَى الدَّمِ فَاجْعَلْ لِي شَيْئاً فَقَالَ يَا آدَمُ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَ مَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ غَفَرْتُ لَهُ قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ أَوْ قَالَ بَسَطْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ النَّفْسُ هَذِهِ قَالَ يَا رَبِّ حَسْبِي ” .
[- الكافي – الكليني – ج 2 ص 440 , وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن – ج 11 ص 311] .
فهؤلاء الأنبياء والأئمة تسلط عليهم الشيطان، وقالوا بالقول المنسوب للصديق فهل يجرؤ الشيعي أن يقول فيهم ما قاله في الصديق؟!
مواضيع شبيهة