أشار النبي نحو مسكن عائشة، وقال: ههنا الفتنة…من حيث يطلع قرن الشيطان.
قال باقر شريف القرشي: “ولم تحض عائشة بقليل ولا بكثير من تلك الرعاية وذلك الحنان، بل كان يعاملها معاملة عادية، بل ويزدري بها في كثير من الأحيان، فقد وقف خطيبًا على منبره فأشار إلى مسكنها قائلا: «هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة هاهنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان” .
[حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، (1/366)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: هذا الحديث له روايات أخرى كثيرة تبين المقصود الحقيقي منه، قد أخرجها البخاري نفسه وغيره، والواجب علينا جمعها وضمها كلها فإنها كلها صحيحة ثم نفهم بعد ذلك مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله.فليس المراد من الحديث عائشة رضي الله عنها بل جهة المشرق، فقد كان بيت عائشة جهة المشرق، فلو كانت عائشة المقصودة بذلك لطلقها النبيّ بل على العكس من ذلك فقد كانت رضي الله عنها أحب الناس إليه.ويدل على أن الجهة هي المقصودة قال رسول الله : «رَأْسُ الكُفْرِ قِبَل الْمَشْرِقِ».
[صحيح البخاري (4/127)، صحيح مسلم، (1/ 72)].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفْصَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا.
[صحيح مسلم، (4/ 2229)].
وفي رواية عنه: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يُشِيرُ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: «هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا»، ثَلاَثًا «حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ».
[صحيح البخاري، (9/ 53)].
فليس المقصود بيت حفصة أو بيت عائشة، إنما المقصود جهة المشرق التي كان فيها بيتاهما.وقال سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ، سَمِعْتُ أَبِى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِىءُ مِنْ هَا هُنَا». وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ». وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
[ صحيح مسلم، (4/ 2229)].
فيستفاد إذن من مجموع هذه الروايات الصحيحة بأن مقصود النبي بمطلع الفتنة إنما هو جهة المشرق وهي قرن الشيطان ولأن بيت عائشة – رضي الله عنها – كان إلى شرقي مسجده أراد راوي الحديث وهو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن يحدد الجهة التي أشار إليها رسول الله فذكر أنه أشار إلى هذه الناحية، حتى أنه لم يقل (أشار إلى مسكن عائشة)، بل قال: (فأشار نحو مسكن عائشة) مما يبين أنه عنى الجهة فقط بخلاف كل الروايات الأخرى والتي فيها قوله (وأشار إلى المشرق)؛ لأن فيها تحديد المقصود تماما، وهذا لا يخفى على من له علم باللغة.
[ أمنا عائشة، شحاتة صقر، (ص 89-91)].
قال الخطابي: “نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية الفرق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة”.
[ فتح الباري، ابن حجر، (13/ 47)].
ثانيا: ورد في كتب الرافضة ما يدل على هذا المعنى، وهو إرادة جهة المشرق.روى الكليني بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:” خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة… ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس“.
[الكافي، الكليني، (8/ 70)].
قال المجلسي: “قوله صلى الله عليه وآله: «من حيث يطلع قرن الشمس»، قال الجوهري: قرن الشمس أعلاها، وأول ما يبدو منها في الطلوع، لعل المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس، أي: في شرقي المدينة”
[مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي، (25/164)].
ثالثا: كلام الرافضة لا يعني إلا أحد شيئين: إما أن يقولوا أن ّالنبي عنى بتلك الإشارة عائشة نفسها، أو يقول أنه r قصد مسكنها نفسه، فإن قالوا الأول فبطلانه واضح من معرفة التراكيب اللغوية التي في الحديث، وإنها لا تستعمل إلا للإشارة لمكان معين لا لشخص، كقوله (مِنْ حَيْثُ)، وقوله (هَاهُنَا الْفِتْنَة) يشير إلى مكان تستوطن فيه الفتنة.وإن قالوا الثاني: وهو أنه أراد مسكنها نفسه ـ فلا يمكن أن يكون كذلك طيلة حياة النبي وهو مقّر السكن فيه، ويتردد إليه كل يوم فيه نوبة عائشة رضي الله عنها، بل كان يتردد إليه أكثر من بيوت زوجاته الأخريات بمقدار الضعف فإن لعائشة رضي الله عنه في القسم يومان: يومها ويوم سودة بنت زمعة رضي الله عنها التي وهبته لها لعلمها بمحبة النبي لها.وأكثر من ذلك أنه كان في سكرات موته يحب أن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنها دون بيوت سائر زوجاته، وبقي هناك حتى توفي في بيت عائشة رضي الله عنها ودفن فيه.روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:” أول ما اشتكى رسول الله في بيت ميمونة، وكان يقول: أين أنا غداً؟ فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها وأذنّ له”.
[ صحيح مسلم، (1/ 312)].
وبعض علماء الرافضة أقرّ أن النبيّ كان يحب أن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنها لمكانتها في قلبه.قال القمي الشيرازي: “حتى مرض رسول الله صلى الله عليه وآله المرض الذي توفي فيه، فكانت فاطمة وعلي يريدان أن يمرضاه في بيتهما، وكذلك كان أزواجه كلهن، فمال الى بيت عائشة بمقتضى المحبة القلبية التي كانت لها دون نسائه… ولم يكن له إلى غيرها من الزوجات مثل ذلك الميل إليها، فتمرض في بيتها، فغبطت على ذلك”.
[ الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين، محمد طاهر القمي، (ص 619)].
قال أبو الوفا بن عقيل: “انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق”).
[استدراكات عائشة على الصحابة، (ص 30 )].
فلم يبقَ من القول مجال إلا أن يقولوا إنما عنى به مسكن عائشة رضي الله عنها بعد وفاة رسول الله ، وهذا إن قالوه فإنما ينادوا على أنفسهم بالويل والثبور، إذ إن مسكن عائشة رضي الله عنه تحول بوفاة رسول الله إلى قبره الشريف ولم يعد بيتا لها حتى ينسب إليها، وكيف يستجيز عاقل على أن يرضى الله تعالى لحبيبه وعبده محمد أن يدفن في مكان هو مطلع الفتنة على حدّ زعم الرافضة؟
قال جعفر الخليلي: “وهناك إجماع على أن الرسول الأعظم كان قد دفن في بيت عائشة، حيث قبر الخليفتان الأولان أيضًا”.
[موسوعة العتبات المقدسة، جعفر الخليلي (3/ 199)].
وإن المرء ليتعجب من آيات الله تعالى أن جعل مسكن عائشة رضي الله عنها مكانا يمرض فيه عبده وحبيبه محمد r، ثم يجعله مدفنا له وقبرا، ثم يتم ذلك بأن دفن إلى جواره صاحباه ووزيراه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
مواضيع شبيهة
قول عائشة رضي الله عنها: بوجود أخطاء في رسم القرآن.